الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ }

القول في موقع جملة { كذبت ثمود بالنذر } كالقول في موقع جملةكذبت عاد } القمر 18. وكذلك القول في إسناد حكم التكذيب إلى ثمود وهو اسم القبيلة معتبر فيه الغالب الكثير. فإن صالحاً قد آمن به نفر قليل كما حكاه الله عنهم في سورة الأعراف. وثمود ممنوع من الصرف باعتبار العلمية والتأنيث المعنوي، أي على تأويل الاسم بالقبيلة. والنذر جمع نذير الذي هو اسم مصدر أنذر، أي كذبوا بالإِنذارات التي أنذرهم الله بها على لسان رسوله. وليس النُذر هنا بصالح لحمله على جمْع النذير بمعنى المُنذر لأن فعل التكذيب إذا تعدى إلى الشخص المنسوب إلى الكذب تعدى إلى اسمه بدون حرف قال تعالىفكذبوا رسلي } سبأ 45 وقاللما كذبوا الرسل } الفرقان 37 وقالوإن يكذبوك } الحج 42، وإذا تعدى إلى الكلام المكذّب تعدى إليه بالباء قالوكذبتم به } الأنعام 57 وقالوكذب به قومك } الأنعام 66 وقالإن الذين كذبوا بآياتنا } الأعراف 40 وقالكذبوا بآياتنا } آل عمران 11. وهذا بخلاف قولهكذبت ثمود المرسلين } في سورة الشعراء 141. والمعنى أنهم كذبوا إنذارات رسولهم، أي جحدوها ثم كذبوا رسولهم، فلذلك فُرع على جملة { كذبت ثمود بالنذر } قوله { فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه } إلى قوله { بل هو كذّاب أشر } ولو كان المراد بالنذر جمع النذير وأطلق على نذيرهم لكان وجه النظم أن تقع جملة { فقالوا أبشراً } إلى آخرها غير معطوفة بالفاء لأنها تكون حينئذٍ بياناً لجملة { كذبت ثمود بالنذر }. والمعنى أن صالحاً جاءهم بالإِنذارات فجحدوا بها وكانت شبهتهم في التكذيب ما أعرب عنه قولهم { أبشراً منا واحداً نتبعه } إلى آخره، فهذا القول يقتضي كونه جواباً عن دعوة وإنذار، وإنما فُصّل تكذيب ثمود وأجمل تكذيب عاد لقصد بيان المشابهة بين تكذيبهم ثمود وتكذيب قريش إذ تشابهت أقوالهم. والقول في انتظام جملة { فقالوا أبشراً } الخ بعد جملة { كذبت ثمود بالنذر } كالقول في جملةفكذبوا عبدنا } القمر 9 بعد جملةكذبت قبلهم قوم نوح } القمر 9. وهذا قول قالوه لرسولهم لما أنذرهم بالنذر لأن قوله { كذبت } يؤذن بمخبر إذ التكذيب يقتضي وجود مخبر. وهو كلام شافهوا به صالحاً وهو الذي عنوه بقولهم { أبشراً منَّا } إلخ. وعدلوا عن الخطاب إلى الغيبة. وانتصب { أبشراً } على المفعولية لــــ { نتبعه } على طريقة الاشتغال، وقدم لاتصاله بهمزة الاستفهام لأن حقها التصدير واتصلت به دونَ أن تدخل على نتبع لأن محل الاستفهام الإنكاري هو كون البشر متبوعاً لا اتباعهم له ومثلهأبشرٌ يهدوننا } التغابن 6 وهذا من دقائق مواقع أدوات الاستفهام كما بين في علم المعاني. والاستفهام هنا إنكاري، أنكروا أن يرسل الله إلى الناس بَشراً مثلهم، أي لو شاء الله لأرسل ملائكة. ووصف { بشراً } بــــ { واحداً } إما بمعنى أنه منفرد في دعوته لا أتباع له ولا نصراء، أي ليس ممن يخشى، أي بعكس قول أهل مدين

السابقالتالي
2