الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } * { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } * { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } * { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } * { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } * { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ }

استئناف بياني لجملةوما ينطق عن الهوى } النجم 3. وضمير { هو } عائد إلى المنطوق به المأخوذ من فعل { ينطق } كما في قوله تعالىاعدلوا هو أقرب للتقوى } المائدة 8 أي العدل المأخوذ من فعل { اعْدلوا }. ويجوز أن يعود الضمير إلى معلوم من سياق الرد عليهم لأنهم زعموا في أقوالهم المردودة بقولهما ضل صاحبكم وما غوى } النجم 2 زعموا القرآن سحراً، أو شعراً، أو كهانة، أو أساطير الأوّلين، أو إفكاً افتراه. وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطق بغير القرآن عن وحي كما في حديث الحديبية في جوابه للذي سأله ما يفعل المعتمر؟ وكقوله " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها " ، ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها قال الله تعالى ونحوه. وفي «سنن أبي داود» و «الترمذي» من حديث المقدام بن معد يكرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه " وقد ينطق عن اجتهاد كأمره بكسر القدور التي طبخت فيها الحُمُر الأهلية فقيل له أو نُهريقها ونغسلها؟ فقال «أو ذاك». فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها كان نزولها في أول أمر الإِسلام وإن كان الأصح أن يجوز له الاجتهاد وأنه وقع منه وهي من مسائل أصول الفقه. والوحي تقدم عند قوله تعالىإنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح } في سورة النساء 163. وجملة { يوحى } مؤكدة لجملة { إن هو إلا وحى } مع دلالة المضارع على أن ما ينطق به متجدد وحيه غير منقطع. ومتعلِّق { يوحى } محذوف تقديره إليه، أي إلى صاحبكم. وتُرك فاعل الوحي لضرب من الإِجمال الذي يعقبه التفصيل لأنه سيرد بعده ما يبينه من قوله { فأوحى إلى عبده ما أوحى }. وجملة { علمه شديد القوى } الخ، مستأنفة استئنافاً بيانياً لبيان كيفية الوحي. وضمير الغائب في { علّمه } عائد إلى الوحي، أو إلى ما عاد إليه ضمير { هو } من قوله { إن هو إلا وحي }. وضمير { هو } يعود إلى القرآن، وهو ضمير في محلّ أحد مفعولي علّم وهو المفعول الأول، والمفعول الثاني محذوف، والتقدير علمه إياه، يعود إلىصاحبكم } النجم 2 ويجوز جعل هاء { علمه } عائداً إلى { صاحبكم } والمحذوف عائد إلى { وحى } إبطالاً لقول المشركينإنما يُعَلِّمُه بشر } النحل 103. وعلّم هنا مُتعدَ إلى مفعولين لأنه مضاعف عَلم المتعدي إلى مفعول واحد. و { شديد القوى } صفة لمحذوف يدل عليه ما يذكر بعد مما هو من شؤون الملائكة، أي مَلَك شديد القوى.

السابقالتالي
2 3