الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ }

فهذه الجملة لا يجوز اعتبارها معطوفة على جملةألا تزر وازرة وزر أخرى } النجم 38 إذ لا تصلح لأن تكون مما في صحف موسى وإبراهيم لأن الشعرى لم تعبد في زمن إبراهيم ولا في زمن موسى عليهما السلام فيتعين أن تكون معطوفة على ما الموصولة من قولهبما في صحف موسى وإبراهيم } النجم 36، 37 الخ. الشعرى اسم نجم من نجوم برج الجوزاء شديد الضياء ويسمى كَلْب الجَبّار، لأن برج الجوزاء يسمى الجَبّار عند العرب أيضاً، وهو من البروج الربيعية، أي التي تكون مدةُ حلول الشمس فيها هي فصل الربيع. وسميت الجوزاء لشدة بياضها في سواد الليل تشبيهاً له بالشاة الجوزاء وهي الشاة السوداء التي وسطها أبيض. وبرج الجوزاء ذو كواكب كثيرة ولكثير منها أسماء خاصة والعرب يتخيلون مجموع نجومها في صورة رجل واقف بيده عصا وعلى وسطه سيف، فلذلك سموه الجَبّار. وربما تخيّلوها صورة امرأة فيطلقون على وسطها اسم المنطقة. ولم أقف على وجه تسميتها الشِّعرى، وسُميتْ كَلْب الجَبّار تخيلوا الجبار صائداً والشعرى يتبعه كالكلب وربما سمّوا الشعرى يَد الجوزاء، وهو أبهر نجم برج الجوزاء، وتوصف الشعرى باليمانيَة لأنها إلى جهة اليمن. وتوصف بالعبور بفتح العين لأنهم يزعمون أنها زَوج كوكب سُهيل وأنهما كانا متصلين وأن سُهيلاً انحدر نحو اليَمن فتبعته الشِعرى وعَبَرت نهر المَجَرة، فلذلك وصفت بالعَبور فَعول بمعنى فاعلة، وهو احتراز عن كوكب آخر ليس من كواكب الجوزاء يسمونه الشِعرى الغُمَيْصَاء بالغين المعجمة والصاد المهملة بصيغة تصغير وذكروا لتسميته قصة. والشعرى تسمى المِرزم كمنبر ويقال مرزم الجوزاء لأن نوءه يأتي بمطر بارد في فصل الشتاء فاشتق له اسم آلة الرَّزم وهو شدة البرد فإنهم كنَّوا ريح الشّمال أمَّ رزَم. وكان كوكب الشعرى عبدتْه خزاعة والذي سنّ عبادته رجل من سادة خزاعة يكنَى أبا كبشَة. واختلف في اسمه ففي «تاج العروس» عن الكلبي أن اسمه جَزْء بجيم وزاي وهمزة. وعن الدارقطني أنه وَجز بواو وجيم وزاي بن غالب بن عامر بن الحارث بن غُبشان كذا في «التاج»، والذي في «جمهرة ابن حزم» أن الحارث هو غُبشان الخزاعي. ومنهم من قال إن اسم أبي كبشة عَبْد الشِعرى. ولا أحسب إلا أن هذا وصفٌ غلب عليه بعد أن اتخذ الشِّعرى معبوداً له ولقومه، ولم يعرج ابن حزم في «الجمهرة» على ذكر أبي كَبشة. والذي عليه الجمهور أن الشّعرى لم يعبدها من قبائل العرب إلاّ خزاعة. وفي «تفسير القرطبي» عن السدّي أن حمير عبدوا الشعرى. وكانت قريش تدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا كبشة خيل لمخالفته إياهم في عبادة الأصنام، وكانوا يصفونه بابن أبي كبشة.

السابقالتالي
2