الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } * { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } * { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ }

كلام موجه من الله تعالى إلى المشركين الطاعنين في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم و { النجم } الكوكب أي الجرم الذي يبدو للناظرين لامعاً في جو السماء ليلاً. أقسم الله تعالى بعظيم من مخلوقاته دال على عظيم صفات الله تعالى. وتعريف { النجم } باللام، يجوز أن يكون للجنس كقولهوبالنجم هم يهتدون } النحل 16 وقولهوالنجمُ والشجر يسجدان } الرحمٰن 6، ويحتمل تعريف العهد. وأشهر النجوم بإطلاق اسم النجم عليه الثريّا لأنهم كانوا يوقتون بأزمان طلوعها مواقيت الفصول ونضج الثمار، ومن أقوالهم طلع النَّجم عِشاءَ فابتغى الراعي كمساءَ طَلع النجم غُذَيَّة وابتغى الراعي شُكَية تصغير شَكْوة وعاءٍ من جلد يوضع فيه الماء واللبن يعنون ابتداء زمن البرد وابتداء زمن الحرّ. وقيل { النجم } الشعرى اليمانية وهي العبورُ وكانت معظمة عند العرب وعَبدتْها خُزاعة. ويجوز أن يكون المراد بـــ { النجم } الشهاب، وبهُويه سقوطه من مكانه إلى مكان آخر، قال تعالىإنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد } الصافات 6، 7 وقالولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين } الملك 5. والقَسَم بــــ { النجم } لما في خَلقه من الدلالة على عظيم قدرة الله تعالى، ألا ترى إلى قول الله حكاية عن إبراهيمفلما جَنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي } الأنعام 76. وتقييد القَسَم بالنجم بوقت غروبه لإِشعار غروب ذلك المخلوق العظيم بعد أَوْجه في شرف الارتفاع في الأفق على أنه تسخير لقدرة الله تعالى، ولذلك قال إبراهيملا أحب الآفلين } الأنعام 76. والوجه أن يكون { إذا هوى } بدل اشتمال من النجم، لأن المرَاد من النجم أحواله الدالة على قدرة خالقه ومصرفه ومن أعظم أحواله حال هُويِّه، ويكون { إذا } اسم زمان مجرداً عن معنى الظرفية في محل جر بحرف القسم، وبذلك نتفادى من إشكال طَلب متعلق { إذَا } وهو إشكال أورده العلامة الجَنْزِي على الزمخشري، قال الطيبي وفي «المقتبس» قال الجَنْزِي «فاوضتُ جارَ الله في قوله تعالى { والنجم إذا هوى } ما العامل في { إذا }؟ فقال العامل فيه ما تعلّق به الواو، فقلت كيف يعمل فعل الحال في المستقبل وهذا لأن معنا أُقسم الآن، وليس معناه أُقسم بعد هذا فرجع وقال العامل فيه مصدر محذوف تقديره وهُوِيّ النجم إذا هَوَى، فعرضته على زين المشائخ فلم يستحسن قوله الثاني. والوجه أن { إذا } قد انسلخ عنه معنى الاستقبال وصار للوقت المجرد، ونحوه آتيك إذا احمرّ البسر، أي وقت احمراره فقد عُرّي عن معنى الاستقبال لأنه وقعت الغنية عنه بقوله آتيك اهــــ. كلام الطيبي، فقوله فالوجه يحتمل أن يكون من كلام زين المشائخ أو من كلام صاحب «المقتبس» أو من كلام الطيبي، وهو وجيه وهو أصل ما بنينا عليه موقع { إذَا } هنا، وليس تردد الزمخشري في الجواب إلا لأنه يلتزم أن يكون { إذَا } ظرفاً للمستقبل كما هو مقتضى كلامه في «المفصَّل» مع أن خروجها عن ذلك كثير كما تواطأت عليه أقوال المحققين.

السابقالتالي
2 3