الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ }

{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّك }. انتقال بالعود إلى ردّ جحودهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك غُيّر أسلوب الأخبار فيه إلى مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الأصل الذي ركّزوا عليه جحودهم توهمَ أن الله لو أرسل رسولاً من البشر لكان الأحقُّ بالرسالة رجلاً عظيماً من عظماء قومهم كما حكى الله عنهمأأنزل عليه الذكر من بيننا } ص 8 وقال تعالىوقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } الزخرف 31 يعنون قرية مكة وقرية الطائف. والمعنى إبطال أن يكون لهم تصرف في شؤون الربوبية فيجعلوا الأمور على مشيئتهم كالمالك في ملكه والمدبرِ فيما وُكل عليه، فالاستفهام إنكاري بتنزيلهم في إبطال النبوءة عمن لا يرضونه منزلة من عندهم خزائن الله يخلعون الخلع منها على من يشاؤون ويمنعون من يشاؤون. والخزائن جمع خزينة وهي البيت، أو الصندوق الذي تخزن فيه الأقوات، أو المال وما هو نفيس عند خازنه، وتقدم عند قوله تعالىقال اجعلني على خزائن الأرض } يوسف 55. وهي هنا مستعارة لما في علم الله وإرادته من إعطاء الغير للمخلوقات، ومنه اصطفاء من هيّأهُ من الناس لتبليغ الرسالة عنه إلى البشر، وقد تقدم في سورة الأنعام 50 قولهقل لا أقول لكم عندي خزائن اللَّه } قال تعالىوإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللَّه اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته } الأنعام 124. وقالوربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان اللَّه وتعالى عما يشركون } القصص 68. وقد سُلك معهم هنا مسلك الإِيجاز في الاستدلال بإحالتهم على مجمل أجمله قوله { أم عندهم خزائن ربك } ، لأن المقام مقام غضب عليهم لجرأتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم في نفي الرسالة عنه بوقاحة من قولهم كاهن، ومجنون، وشاعر إلخ بخلاف آية الأنعام فإنها ردّت عليهم تعريضهم أنفسهم لنوال الرسالة عن الله. فقوله تعالى هنا { أم عندهم خزائن ربك } هو كقوله في سورة ص 8، 9أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لمّا يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب } وقوله في سورة الزخرف 32أهم يقسمون رحمتَ ربك } وكلمة عند تستعمل كثيراً في معنى الملك والاختصاص كقوله تعالىوعنده مفاتح الغيب } الأنعام 59، فالمعنى أيملكون خزائن ربك، أي الخزائن التي يملكها ربك كما اقتضته إضافة { خزائن } إلى { ربك } على نحوأعنده علم الغيب فهو يرى } النجم 35. وقد عبر عن هذا باللفظ الحقيقي في قوله تعالىقل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق } الإسراء 100. { أَمْ هُمُ المسيطرون }. إنكار لأن يكون لهم تصرف في عطاء الله تعالى ولو دون تصرف المالك مثل تصرف الوكيل والخازن وهو ما عبر عنه بالمصيطرون.

السابقالتالي
2