الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلطُّورِ } * { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } * { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } * { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } * { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } * { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } * { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } * { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ }

القَسَم للتأكيد وتحقيق الوعيد. ومناسبة الأمور المقسم بها للمقسم عليه أن هذه الأشياء المقسم بها من شؤون بعثه موسى عليه السلام إلى فرعون وكان هلاك فرعون ومن معه من جراء تكذيبهم موسى عليه السلام. و { الطور } الجبل باللغة السريانيّة قاله مجاهد. وأدخل في العربية وهو من الألفاظ المعربة الواقعة في القرآن. وغلب علَماً على طور سينا الذي ناجى فيه موسى عليه السلام، وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة. فالقسم به باعتبار شرفه بنزول كلام الله فيه ونزول الألواح على موسى وفي ذكر الطور إشارة إلى تلك الألواح لأنها اشتهرت بذلك الجبل فسميت طور المعرّب بتوراة. وأما الجبل الذي خوطب فيه موسى من جانب الله فهو جبل حُوريب واسمه في العربية الزّبير ولعله بجانب الطور كما في قوله تعالىآنس من جانب الطور ناراً } وتقدم بيانه في سورة القصص 29، وتقدم عند قوله تعالىورفعنا فوقكم الطور } في سورة البقرة 63. والقَسَم بالطور توطئة للقسم بالتوراة التي أنزل أولها على موسى في جبل الطور. والمراد بـ { كتاب مسطور في رَقّ منشور } التوراةُ كلها التي كتبها موسى عليه السلام بعد نزول الألواح، وضمَّنها كل ما أوحَى الله إليه مما أمر بتبليغه في مدة حياته إلى ساعات قليلة قبل وفاته. وهي الأسفار الأربعة المعروفة عند اليهود سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر العَدد، وسفر التثنية، وهي التي قال الله تعالى في شأنهاولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } في سورة الأعراف 154. وتنكير { كتاب } للتعظيم. وإجراء الوصفين عليه لتمييزه بأنه كتاب مشرف مراد بقاؤه مأمور بقراءته إذ المسطور هو المكتوب. والسطر الكتابة الطويلة لأنها تجعل سطوراً، أي صفوفاً من الكتابة قال تعالىوما يسطرون } القلم 1، أي يكتبون. والرَّق بفتح الراء بعدها قاف مشددة الصحيفة تُتّخذ من جلد مرقق أبيض ليكتب عليه. وقد جمعها المتلمِس في قوله
فكأنما هِي مِن تقادُمِ عهدها رَقّ أُتيح كتابُها مسطور   
والمنشور المبسوط غير المطوي قال يزيد بن الطثرية
صحائف عندي للعتاب طويتُها ستنشر يوماً مَا والعتاب يطول   
أي أقسم بحال نشره لقراءته وهي أشرف أحواله لأنها حالة حصول الاهتداء به للقارىء والسامع. وكان اليهود يكتبون التوراة في رقوق ملصق بعضها ببعض أو مخيط بعضها ببعض، فتصير قطعة واحدة ويطوونها طيّاً اسطوانياً لتحفظ فإذا أرادوا قراءتها نشروا مطويها، ومنه ما في حديث الرجم " فنشروا التوراة " وليس المراد بكتاب مسطور القرآن لأن القرآن لم يكن يومئذٍ مكتوباً سطوراً ولا هو مكتوباً في رَق. ومناسبة القسم بالتوراة أنها الكتاب الموجود الذي فيه ذكر الجزاء وإبطال الشرك وللإِشارة إلى أن القرآن الذي أنكروا أنه من عند الله ليس بدعاً فقد نزلت قبله التوراة وذلك لأن المقْسَم عليه وقوع العذاب بهم وإنما هو جزاء على تكذيبهم القرآن ومن جاء به بدليل قوله بعد ذكر العذاب

السابقالتالي
2 3