الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } * { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } * { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ }

عطف على جملةيتنازعون فيها كأساً } الطور 23. والتقدير وقد أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، أي هم في تلك الأحوال قد أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. ولما كان إلحاق ذرياتهم بهم مقتضياً مشاركتهم إياهم في النعيم كما تقدم آنفاً عند قولهألحقنا بهم ذريتهم } الطور 21 كان هذا التساؤل جارياً بين الجميع من الأصول والذريات سائلين ومسؤولين. وضمير { بعضهم } عائد إلىالمتقين } الطور 17 وعلىذريتهم } الطور 21. وجملة { قالوا } بيان لجملة { يتساءلون } على حد قوله تعالىفوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى } طه 120 ضمير { قالوا } عائد إلى البعضين، أي يقول كل فريق من المتسائلين للفريق الآخر هذه المقالة. والإِشفاق توقع المكروه وهو ضد الرجاء، وهذا التوقع متفاوت عند المتسائلين بحسب تفاوت ما يوجبه من التقصير في أداء حق التكليف، أو من العصيان. ولذلك فهو أقوى في جانب ذريات المؤمنين الذين أُلحقوا بأصولهم بدون استحقاق. ولعله في جانب الذريات أظهر في معنى الشكر لأن أصولهم من أهلهم فهم يعلمون أن ذرياتهم كانوا مشفقين من عقاب الله تعالى أو بمنزلة من يعلم ذلك من مشاهدة سَيرهم في الوفاء بحقوق التكليف، وكذلك أصولهم بالنسبة إلى من يعلم حالهم من أصحابهم أو يسمع منهم إشفاقهم واستغفارهم. وحذف متعلق { مشفقين } لأنه دل عليه { ووقانا عذاب السموم }. وعلى هذا الوجه يكون معنى في الظرفية. ويتعلق { في أهلنا } بــــ { كُنّا } ، أي حين كنا في ناسنا في الدنيا. فــــ { أهلنا } هنا بمعنى آلنَا. ويجوز أن تكون المقالة صادرة من الذين آمنوا يخاطبون ذرياتهم الذين ألحقوا بهم ولم يكونوا يحسبون أنهم سيلحقون بهم فالمعنى إنا كنا قبل مشفقين عليكم، فتكون في للظرفية المجازية المفيدة للتعليل، أي مشفقين لأجلكم. ومعنى { فمنّ الله علينا } من علينا بالعفو عنكم فأذهب عنا الحزن ووقانا أن يعذبكم بالنار. فلما كان عذاب الذريات يحزن آباءهم جعلت وقاية الذريات منه بمنزلة وقاية آبائهم فقالوا { ووقانا عذاب السموم } إغراقاً في الشكر عنهم وعن ذرياتهم، أي فمنّ علينا جميعاً ووقانا جميعاً عذاب السموم. والسَموم بفتح السين، أصله اسم الريح التي تهبّ من جهة حارّة جداً فتكون جافّة شديدة الحرارة وهي معروفة في بلاد العرب تهلك من يتنشقها. وأطلق هنا على ريح جهنم على سبيل التقريب بالأمر المعروف، كما أطلقت على العنصر الناري في قوله تعالىوالجانّ خلقناه من قبل من نار السموم } في سورة الحجر 27 وكل ذلك تقريب بالمألوف. وجملة { إنا كنا من قبل ندعوه } تعليل لمنة الله عليهم وثناء على الله بأنه استجاب لهم، أي كنا من قبل اليوم ندعوه، أي في الدنيا. وحذف متعلق { ندعوه } للتعميم، أي كنا نبتهل إليه في أمورنا، وسبب العموم داخل ابتداء، وهو الدعاء لأنفسهم ولذرياتهم بالنجاة من النار وبنوال نعيم الجنة.

السابقالتالي
2