الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } * { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } * { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } * { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } * { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ }

انتقال من الإنذار والموعظة والاستدلال إلى الاعتبار بأحوال الأمم الماضية المماثلة للمخاطبين المشركين في الكفر وتكذيب الرسل. والجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وغيّر أسلوب الكلام من خطاب المنذرين مواجهة إلى أسلوب التعريض تفنناً بذكر قصة إبراهيم لتكون توطئة للمقصود من ذكر ما حلّ بقوم لوط حين كذبوا رسولهم، فالمقصود هو ما بعد قولهقال فما خطبكم أيها المرسلون } الحجر 57. وكان في الابتداء بذكر قوم لوط في هذه الآية على خلاف الترتيب الذي جرى عليه اصطلاح القرآن في ترتيب قصص الأمم المكذبة بابتدائها بقوم نوح ثم عاد ثم ثمود ثم قوم لوط أن المناسبة للانتقال من وعيد المشركين إلى العبرة بالأمم الماضية أن المشركين وصفوا آنفاً بأنهم في غمرة ساهون فكانوا في تلك الغمرة أشبه بقوم لوط إذ قال الله فيهملعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } الحجر 72، ولأن العذاب الذي عذب به قوم لوط كان حجارة أنزلت عليهم من السماء مشبهة بالمطر. وقد سميت مطراً في قوله تعالىولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطرَ السوء } الفرقان 40 وقولهوأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } هود 82 ولأن في قصة حضور الملائكة عند إبراهيم وزوجه عبرة بإمكان البعث فقد تضمنت بشارتها بمولود يولد لها بعد اليأس من الولادة وذلك مثل البعث بالحياة بعد الممات. ولمّا وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله { هل أتاك } عُرف أن المقصود الأصلي تسليته على ما لقيه من تكذيب قومه. ويتبع ذلك تعريض بالسامعين حين يُقرأ عليهم القرآن أو يبلغهم بأنهم صائرون إلى مثِل ذلك العذاب لاتحاد الأسباب. وتقدم القول في نظير { هل أتاك حديث } عند قوله تعالىوهل أتاك نبؤا الخصم } في سورة ص 21، وأنه يفتتح به الأخبار الفخمة المهمة. والضيف اسم يقال للواحد وللجمع لأن أصله مصدر ضَاف، إذا مال فأطلق على الذي يميل إلى بيت أحد لينزل عنده. ثم صار اسماً فإذا لوحظ أصله أطلق على الواحد وغيره ولم يؤنثوه ولا يجمعونه وإذا لوحظ الاسم جمعوه للجماعة وأنثوه للأنثى فقالوا أضيافٌ وضيوف وامرأة ضيفة وهو هنا اسم جمع ولذلك وصف بـ { المكْرمين } ، وتقدم في سورة الحجر 68قال إن هؤلاء ضيفي } والمعنيّ به الملائكة الذي أظهرهم الله لإبراهيم عليه السلام فأخبروه بأنهم مرسلون من الله لتنفيذ العذاب لقوم لوط وسماهم الله ضيفاً نظراً لصورة مجيئهم في هيئة الضيف كما سمى الملكين اللذين جاءا داود خصماً في قوله تعالىوهل أتاك نبؤا الخصم } ص 21، وذلك من الاستعارة الصورية. وفي سفر التكوين من التوراة أنهم كانوا ثلاثة. وعن ابن عباس أنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وعن عطاء جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر. ولعل سبب إرسال ثلاثة ليقع تشكُّلهم في شكل الرجال لما تعارفه الناس في أسفارهم أن لا يقلّ ركب المسافرين عن ثلاثة رفاقٍ.

السابقالتالي
2 3 4