الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

بعد أن أكد الكلام بالقسم بــالذاريات } الذاريات 1 وما عطف عليها فرع على ذلك زيادة تأكيد بالقسم بخالق السماء والأرض على أن ما يوعدون حق فهو عطف على الكلام السابق ومناسبته قولهوما توعدون } الذاريات 22. وإظهار اسم السماء والأرض دون ذكر ضميرهما لإدخال المهابة في نفوس السامعين بعظمة الربّ سبحانه. وضمير { إنه لحقّ } عائد إلىما توعدون } الذاريات 22. وهذا من ردّ العجز على المصدر لأنه رد على قوله أول السورةإن ما توعدون لصادق } الذاريات 5 وانتهى الغرض. وقوله { مثل ما أنكم تنطقون } زيادة تقرير لوقوع ما أوعدوه بأن شبه بشيء معلوم كالضرورة لا امتراء في وقوعه وهو كون المخاطبين ينطقون. وهذا نظير قولهم كما أن قبلَ اليوم أمس، أو كما أن بعد اليوم غداً. وهو من التمثيل بالأمور المحسوسة، ومنه تمثيل سرعة الوصول لقرب المكان في قول زهير
فهن ووادِي الرسّ كاليد للفم   
وقولهم مثل ما أنك ها هنا، وقولهم كما أنك ترى وتسمع. وقرأ الجمهور { مثلَ } بالنصب على أنه صفة حال محذوف قصد منه التأكيد. والتقدير إنه لحق حقاً مثل ما أنكم تنطقون. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف مرفوعاً على الصفة { لحق } صفة أريد بها التشبيه. و { ما } الواقعة بعد { مثل } زائدة للتوكيد. وأردفت بــ أنَّ المفيدة للتأكيد تقوية لتحقيق حقية ما يوعدون. واجتلب المضارع في { تنطقون } دون أن يقال نطقكم، يفيد التشبيه بنطقهم المتجدد وهو أقوى في الوقوع لأنه محسوس.