الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من ضميرالخراصون } الذاريات 10 وأن تكون استئنافاً بيانياً ناشئاً عن جملةقتل الخراصون } الذاريات 10 لأن جملة { قتل الخراصون } أفادت تعجيباً من سوء عقولهم وأحْوالهم فهو مثار سؤال في نفس السامع يتطلب البيان، فأجيب بأنهم يسألون عن يوم الدين سؤال متهكمين، يعنون أنه لا وقوع ليوم الدين كقوله تعالىعمّ يتساءلون * عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون } النبأ 1 ـــ 3. و { أيّان يوم الدين } مقول قول محذوف دلّ عليه { يسألون } لأن في فعل السؤال معنى القول. فتقدير الكلام يقولون أيان يوم الدين. ولك أن تجعل جملة { أيان يوم الدين } بدلاً من جملة { يسألون } لتفصيل إجماله وهو من نوع البدل المطابق. و { أيّان } اسم استفهام عن زمان فعل وهو في محل نصب مبنيّ على الفتح، أي متى يوم الدين، ويوم الدين زمان فالسؤال عن زمانه آيل إلى السؤال باعتبار وقوعه، فالتقدير أيان وقوع يوم الدين، أو حلوله، كما تقول متى يوم رمَضان أي متى ثبوته لأن أسماء الزمان حقها أن تقع ظروفاً للأحداث لا للأزمنة. وجملة { يوم هم على النار يفتنون } جواب لسؤالهم جرى على الأسلوب الحكيم من تلقي السائل بغير ما يتطلب إذ هم حين قالوا أيّان يوم الدين، أرادوا التهكم والإحالة فتُلقِّي كلامُهم بغير مرادهم لأن في الجواب ما يشفي وقع تهكمهم على طريقة قوله تعالىيسألونك عن الأهلة قل هي مواقيتُ للناس والحج } البقرة 189. والمعنى يوم الدين يقع يوم تُصْلَوْن النار ويقال لكم ذوقوا فتنتكم. وانتصب { يوم هم على النار يفتنون } على الظرفية وهو خبر عن مبتدأ محذوف دل عليه السؤال عنه بقولهم أيام يوم الدين. والتقدير يومُ الدين يومَ هم على النار يفتنون. والفَتْن التعذيب والتحريق، أي يوم هم يعذبون على نار جهنم وأصل الفَتْن الاختيار. وشاع إطلاقه على معان منها إذابة الذهب على النار في البُوتَقة لاختيار ما فيه من معدن غيرِ ذهب، ولا يذاب إلا بحرارة نار شديدة فهو هنا كناية عن الإحراق الشديد. وجملة { ذوقوا فتنتكم } مقول قول محذوف دل عليه الخطاب، أي يقال لهم حينئذٍ، أو مقولاً لهم ذوقوا فتنتكم، أي عذابكم. والأمر في قوله { ذوقوا } مستعمل في التنكيل. والذوق مستعار للإحساس القوي لأن اللسان أشد الأعضاء إحساساً. وإضافة فتنة إلى ضمير المخاطبين يومئذ من إضافة المصدر إلى مفعوله. وفي الإضافة دلالة على اختصاصها لهم لأنهم استحقوها بكفرهم، ويجوز أن تكون الإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله. والمعنى ذوقوا جزاء فتنتكم. قال ابن عباس أي تكذيبكم. ويقوم من هذا الوجه أن يجعل الكلام موجَّهاً بتذكير المخاطبين في ذلك اليوم ما كانوا يفتنون به المؤمنين من التعذيب مثل ما فتنوا بلالاً وخَبَّاباً وعَماراً وشميسة وغيرهم، أي هذا جزاء فتنتكم.

السابقالتالي
2