الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

استئناف بياني نشأ عن قولهيا أيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } المائدة 95 فإنّه اقتضى تحريم قتل الصيد على المحرم وجعل جزاء فعله هدي مثل ما قتَل من النعم، فكان السامع بحيث يسأل عن صيد البحر لأنّ أخذه لا يسمّى في العرف قتلاً، وليس لما يصاد منه مثل من النعم ولكنّه قد يشكّ لعلّ الله أراد القتل بمعنى التسبّب في الموت، وأراد بالمثل من النعم المقاربَ في الحجم والمقدار، فبيّن الله للناس حكم صيد البحر وأبقاه على الإباحة، لأنّ صيد البحر ليس من حيوان الحرم، إذ ليس في شيء من أرض الحرم بحر. وقد بينّا عند قوله تعالىيا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } المائدة 95 أنّ أصل الحكمة في حرمة الصيد على المحرم هي حفظ حرمة الكعبة وحرمها. ومعنى { أحلّ لكم صيد البحر } إبقاء حلّيّته لأنّه حلال من قبللِ الإحرام. والخطاب في { لكم } للذين آمنوا. والصيد هنا بمعنى المصيد ليجري اللفظ على سنن واحد في مواقعه في هذه الآيات، أي أحلّ لكم قتله، أي إمساكه من البحر. والبحر يشمل الأنهار والأودية لأنّ جميعها يسمّى بحراً في لسان العرب. وقد قال الله تعالى { وما يستوي البحران هذا عذب فرات } الآية. وليس العذب إلاّ الأنهار كدجلة والفرات. وصيد البحر كلّ دوابّ الماء التي تصاد فيه، فيكون إخراجها منه سبب موتها قريباً أو بعيداً. فأمّا ما يعيش في البرّ وفي الماء فليس من صيد البحر كالضفدع والسلحفاة، ولا خلاف في هذا. أمّا الخلاف فيما يؤكل من صيد البحر وما لا يؤكل منه، عند من يرى أنّ منه ما لا يؤكل، فليس هذا موضع ذكره، لأنّ الآية ليست بمثبتة لتحليل أكل صيد البحر ولكنّها منّبهة على عدم تحريمه في حال الإحرام. وقوله { وطعامه } عطف على { صيد البحر }. والضمير عائد إلى { البحر } ، أي وطعام البحر، وعطفه اقتضى مغايرته للصيد. والمعنى والتقاط طعامه أو وإمساكُ طعامه. وقد اختلف في المراد من «طعامه». والذي روي عن جلّة الصحابة ـــ رضي الله عنهم ـــ أنّ طعام البحر هو ما طفا عليه من ميتة إذا لم يكن سبب موته إمساك الصائد له. ومن العلماء من نقل عنه في تفسير طعام البحر غير هذا ممّا لا يلائم سياق الآية. وهؤلاء هم الذين حرّموا أكل ما يخرجه البحر ميّتاً، ويردّ قولهم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال في البحر " هو الطهور ماؤه الحِلّ ميتته " وحديث جابر في الحوت المسمّى العنبر، حين وجدوه ميّتاً، وهم في غزوة، وأكلوا منه، وأخبروا رسول الله، وأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3