الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

جملة معطوفة على جملةإنّما جزاء الّذين يحاربون } المائدة 33. { والسارق } مبتدأ والخبر محذوف عند سيبويه. والتّقدير ممّا يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما. وقال المبرّد الخبر هو جملة { فاقطعوا أيديهما } ، ودخلت الفاء في الخبر لتضمّن المبتدأ معنى الشرط لأنّ تقديره والّذي سرق والّتي سرقت. والمصول إذا أريد منه التّعميم ينزّل منزلة الشرط ـــ أي يجعل أَلْ فيها اسم موصول فيكون كقوله تعالىواللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم } النساء 15، قولهواللّذان يأتيانها منكم فآذوهما } النساء 16. قال سيبويه وهذا إذا كان في الكلام ما يدلّ على أنّ المبتدأ ذكر في معرض القصص أو الحُكم أو الفرائض نحو { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدواواللذان يأتيانها منكم فآذوهما } { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } إذ التّقدير في جميع ذلك وحكم اللاتي يأتين، أو وجَزاء السارق والسّارقة. ولقد ذكرها ابن الحاجب في «الكافية» واختصرها بقوله «والفاء للشرط عند المبرّد وجملتان عند سيبويه، يعني وأمّا عند المبرّد فهي جملة شرط وجوابه فكأنّها جملة واحدة وإلاّ فالمختار النصب». أشار إلى قراءة عيسى بن عمر { والسارقَ والسارقَة } ـــ بالنصب ـــ، وهي قراءة شاذّة لا يعتدّ بها فلا يخرّج القرآن عليها. وقد غلط ابن الحاجب في قوله فالمختار النصب. وقوله { فاقطعوا أيديهما } ضمير الخطاب لِوُلاة الأمور بقرينة المقام، كقولهالزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة } النور 2. وليس الضّمير عائداً على الّذين آمنوا في قولهيا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله } النساء 35. وجُمع الأيدي باعتبار أفراد نوع السارق. وثنيّ الضمير باعتبار الصنفين الذكر والأنثى فالجمع هنا مراد منه التّثنية كقوله تعالىفقد صغت قلوبكما } التحريم 4. ووجه ذكر السارقة مع السارق دفعُ توهّم أن يكون صيغة التذكير في السارق قيداً بحيث لا يجري حدّ السرقة إلاّ على الرجال، وقد كانت العرب لا يقيمون للمرأة وزناً فلا يجرون عليها الحدود، وهو الدّاعي إلى ذكر الأنثى في قوله تعالى في سورة البقرة 178الحُرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وقد سرقت المخزوميّة في زمن رسول الله فأمر بقطع يدها وعظم ذلك على قريش، فقالوا من يشفع لها عند رسول الله إلاّ زيد بن حارثة، فلمّا شفع لها أنكر عليه وقال أتشفع في حدّ من حدود الله، وخطب فقال إنّما أهلك الّذين من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه وإذا سرق الضّعيف قطعوه، والله لو أنّ فاطمة سرقت لقطعت يدها. وفي تحقيق معنى السرقة ونصاب المقدار المسروق الموجب للحدّ وكيفية القطع مجال لأهل الاجتهاد من علماء السلف وأيّمة المذاهب وليس من غرض المفسّر. وليس من عادة القرآن تحديد المعاني الشّرعية وتفاصيلها ولكنّه يؤصّل تأوصيلها ويحيل ما وراء ذلك إلى متعارف أهل اللّسان من معرفة حقائقها وتمييزها عمّا يشابهها.

السابقالتالي
2 3