الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ }. استئناف بيانيّ ناشىء عن قولهأحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم } المائدة 1، فهو بيان لما ليس بحلال من الأنعام. ومعنى تحريم هذه المذكورات تحريم أكلها، لأنَّه المقصود من مجموع هذه المذكورات هنا. وهي أحوال من أحوال الأنعام تقتضي تحريم أكلها. وأدمج فيها نوع من الحيوان ليس من أنواع الأنعام وهو الخنزير، لاستيعاب محرّمات الحيوان. وهذا الاستيعاب دليل لإباحة ما سوى ذلك، إلاّ ما ورد في السنّة من تحريم الحُمُر الأهلية، على اختلاف بين العلماء في معنى تحريمها، والظاهر أنَّه تحريم منظور فيه إلى حالة لا إلى الصنف. وألحَق مالك بها الخيلَ والبغال قياساً، وهو من قياس الأدْون، ولقول الله تعالى إذ ذكرها في معرض الامتنانالخيلَ والبغالَ والحمير لتركبوها وزينة } النحل 8. وهو قول أبي حنيفة خلافاً لصاحبيه، وهو استدلال لا يعرف له نظير في الأدلّة الفقهية. وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد يَجوز أكل الخيل. وثبت في الصحيح، عن أسماء بنت أبي بكر قالت ذبحنا فرساً على عهد رسول الله فأكلناه. ولم يُذكر أنّ ذلك منسوخ. وعن جابر بن عبد الله أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحُمُر ورخَّص في لحوم الخيل. وأمّا الحُمُر الأهلية فقد ورد في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكلها في غزوة خيبر. فقيل لأنّ الحُمر كانت حَمولتهم في تلك الغَزاة. وقيل نهى عنها أبداً. وقال ابن عباس بإباحتها. فليس لتحريم هذه الثلاثة على الإطلاق وجه بيّن من الفقه ولا من السنّة. والميْتة الحيوان الذي زالت منه الحياة، والموتُ حالة معروفة تنشأ عن وقوف حركة الدم باختلال عمل أحد الأعضاء الرئيسية أو كلّها. وعلَّة تحريمها أنّ الموت ينشأ عن علل يكون معظمها مضرّاً بسبب العدوى، وتمييز ما يُعدي عن غيره عسير، ولأنّ الحيوان الميّت لا يُدرى غالباً مقدار ما مضى عليه في حالة الموت، فربَّما مضت مدّة تستحيل معها منافع لحمه ودمه مضارّ، فنيط الحكم بغالب الأحوال وأضبطها. والدم هنا هو الدم المُهراق، أي المسفوح، وهو الذي يمكن سيلانه كما صرّح به في آية الأنعام 145، حَملاً لمطلققِ هذه الآية على مقيّد آية الأنعام، وهو الذي يخرج من عروق جسد الحيوان بسبب قطع العِرق وما عليه من الجِلد، وهو سائل لزج أحمر اللون متفاوت الحمرة باختلاف السنّ واختلاف أصناف العروق. والظاهر أنّ علّة تحريمه القذارة لأنّه يكتسب رائحة كريهة عند لقائه الهواءَ، ولذلك قال كثير من الفقهاء بنجاسة عينه، ولا تعرّض في الآية لذلك، أو لأنَّه يحمل ما في جسد الحيوان من الأجزاء المضرّة التي لا يحاط بمعرفتها، أو لما يحدثه تعوّد شرب الدم من الضراوة التي تعود على الخُلق الإنساني بالفساد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد