الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

استئناف ابتدائي للنهي عن العودة إلى مسائل سألها بعض المؤمنين رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ليست في شؤون الدين ولكنّها في شؤون ذاتية خاصّة بهم، فنهوا أن يشغلوا الرسول بمثالها بعد أن قدّم لهم بيان مُهمّة الرسول بقوله تعالىما على الرسول إلاّ البلاغ } المائدة 99 الصالح لأن يكون مقدّمة لمضمون هذه الآية ولمضمون الآية السابقة، وهي قولهقل لا يستوي الخبيث والطيّب } المائدة 100 فالآيتان كلتاهما مرتبطتان بآيةما على الرسول إلاّ البلاغ } المائدة 99، وليست إحدى هاتين الآيتين بمرتبطة بالأخرى. وقد اختلفت الروايات في بيان نوع هذه الأشياء المسؤول عنها والصحيح من ذلك حديث موسى بن أنس بن مالك عن أبيه في «الصحيحين» قال سأل الناس رسولَ الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حتى أحْفَوْهُ بالمسألة، فصعِد المنبر ذات يوم فقال " لا تسألونني عن شيء إلاّ بيّنت لكم " ، فأنشأ رجل كانَ إذا لاحَى يُدعى لغير أبيه، فقال يا رسول الله من أبي قال أبوك حذافة أي فدعاه لأبيه الذي يعرف به، والسائل هو عبد الله بن حُذَافة السَّهمي، كما ورد في بعض روايات الحديث. وفي رواية لمسلم عن أبي موسى فقام رجل آخر فقال مَن أبي، قال أبوك سالم مولى شيبة. وفي بعض روايات هذا الخبر في غير الصحيح عن أبي هريرة أنّ رجلاً آخر قام فقال أين أبي. وفي رواية أين أنا؟ فقال في النار. وفي «صحيح البخاري» عن ابن عبّاس قال كان قوم، أي من المنافقين، يسألون رسول الله استهزاء فيقول الرجل تضلّ ناقته أين ناقتي، ويقول الرجل من أبي، ويقول المسافر ماذا ألقى في سفري، فأنزل الله فيهم هذه الآية { يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسؤُكم }. قال الأيمّة وقد انفرد به البخاري. ومحمله أنّه رأي من ابن عباس، وهو لا يناسب افتتاح الآية بخطاب الذين آمنوا اللهمّ إلاّ أن يكون المراد تحذير المؤمنين من نحو تلك المسائل عن غفلة من مقاصد المستهزئين، كما في قولهيا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا } البقرة 104، أو أريد بالذين آمنوا الذين أظهروا الإيمان، على أنّ لهجة الخطاب في الآية خالية عن الإيماء إلى قصد المستهزئين، بخلاف قولهلا تقولوا راعنا } البقرة 104 فقد عقّب بقولهوللكافرين عذاب أليم } البقرة 104. وروى الترمذي والدارقطني عن علي بن أبي طالب لمّا نزلتولله على الناس حجّ البيت } آل عمران 97 قالوا يا رسول الله في كلّ عام، فسكت، فأعادوا. فقال لا، ولو قلت نعم لوجبتْ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } قال هذا حديث حسن غريب.

السابقالتالي
2 3 4 5