الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

عطف على جملةفمن يملك لكم من الله شيئاً } الفتح 11 فهو من أجزاء القول، وهذا انتقال من التخويف الذي أوهمه { فمن يملك لكم من الله شيئا } إلى إطماعهم بالمغفرة التي سألوها، ولذلك قدم الضر على النفع في الآية الأولى فقيلإن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا } الفتح 11 ليكون احتمال إرادة الضر بهم أسبق في نفوسهم. وقدمت المغفرة هنا بقوله { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } ليتقرر معنى الإطماع في نفوسهم فيبتدروا إلى استدراك ما فاتهم. وهذا تمهيد لوعدهم الآتي في قوله { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد } إلى قولهفإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً } الفتح 16. وزاد رجاءَ المغفرة تأكيداً بقوله { وكان الله غفوراً رحيماً } أي الرحمة والمغفرة أقرب من العقاب، وللأمرين مواضع ومراتب في القرب والبعد، والنوايا والعوارض، وقيمة الحسنات والسيئات، قد أحاط الله بها وقدرها تقديراً. ولفظ { من يشاء } في الموضعين إجمال للمشيئة وأسبابها وقد بينت غير مرة في تضاعيف القرآن والسنة ومن ذلك قولهإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء 48.