الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلاَْعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَٰلُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } لمَّا حَذر من النكث ورغَّب في الوفاء أتبع ذلك بذكر التخلف عن الانضمام إلى جيش النبي صلى الله عليه وسلم حين الخروج إلى عمرة الحديبية وهو ما فعله الأعراب الذين كانوا نازلين حول المدينة وهم ست قبائل غفار ومُزْينة وجُهينة وأشْجَع وأسْلَمَ والدِّيل بعد أن بايعوه على الخروج معه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد المسير إلى العمرة استنفر مَن حول المدينة منهم ليخرجوا معه فيرهبه أهل مكة فلا يصدّوه عن عمرته فتثاقل أكثرهم عن الخروج معه. وكان من أهل البيعة زيدُ بن خالد الجهني من جهينة وخرج معَ النبي صلى الله عليه وسلم من أسْلم مائةُ رجل منهم مِرْدَاس بن مالك الأسلمي والدُ عبَّاس الشاعر وعبدُ الله بن أبي أوفى وزاهرُ بن الأسود، وأهبانُ بضم الهمزة بنُ أوس، وسلَمةُ بن الأكْوَع الأسلمي، ومن غفار خُفَافُ بضم الخاء المعجمة بن أيْمَاء بفتح الهمزة بعدها تحتية ساكنة، ومن مزينة عَائذ بن عَمرو. وتخلف عن الخروج معه معظمهم وكانوا يومئذٍ لم يتمكن الإيمان من قلوبهم ولكنهم لم يكونوا منافقين، وأعَدّوا للمعذرة بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم شغلتهم أموالهم وأهلوهم، فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بما بيتوه في قلوبهم وفضح أمرهم من قَبْلِ أن يعتذروا. وهذه من معجزات القرآن بالأخبار التي قبل وقوعه. فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لمناسبة ذكر الإيفاء والنكث، فكُمل بذكر من تخلفوا عن الداعي للعهد. والمعنى أنهم يقولون ذلك عند مرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة معتذرين كاذبين في اعتذارهم. والمخلّفون بفتح اللام هم الذين تخلّفوا. وأطلق عليهم المخلفون أي غيرهم خلفهم وراءه، أي تركهم خلفه، وليس ذلك بمقتض أنهم مأذون لهم بل المخلف هو المتروك مطلقاً. يقال خلفنا فلاناً، إذا مَرّوا به وتركوه لأنهم اعتذروا من قبل خُروج النبي صلى الله عليه وسلم فعذرهم بخلاف الأعراب فإنهم تخلف أكثرهم بعد أن استُنفروا ولم يعتذروا حينئذٍ. والأموال الإبل. وأهلون جمع أهل على غير قياس لأنه غير مستوفي لشروط الجمع بالواو والنون أو الياء والنون، فعُدّ مما ألحق بجمع المذكر السالم. ومعنى فاستغفر لنا اسألْ لنا المغفرة من الله إذ كانوا مؤمنين فهو طلب حقيقي لأنهم كانوا مؤمنين ولكنهم ظنوا أن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم يمحو ما أضمروه من النكث وذهلوا عن علم الله بما أضمروه كدأب أهل الجهالة فقد قتل اليهود زكرياء مخافة أن تصدر منه دعوة عليهم حين قتلوا ابنه يحيــى ولذلك عقب قولهم هنا بقوله تعالى { بل كان الله بما تعملون خبيراً } الآية.

السابقالتالي
2 3