الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } * { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

هذا تأييد للنبي صلى الله عليه وسلم بأن سخر الله الجن للإيمان به وبالقرآن فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدّقاً عند الثقلين ومعظَّماً في العالَمَيْن وذلك ما لم يحصل لرسول قبله. والمقصود من نزول القرآن بخبر الجن توبيخ المشركين بأن الجن وهم من عالم آخر عَلِموا القرآن وأيقنوا بأنه من عند الله والمشركون وهم من عالم الإنس ومن جنس الرسول صلى الله عليه وسلم المبعوث بالقرآن وممن يتكلم بلغة القرآن لم يزالوا في ريب منه وتكذيب وإصرار، فهذا موعظة للمشركين بطريق المضادة لأحوالهم بعد أن جرت موعظتهم بحال مماثليهم في الكفر من جنسهم. ومناسبة ذكر إيمان الجن ما تقدم من قوله تعالىأولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } الأحقاف 18. فالجملة معطوفة على جملةواذكر أخا عاد } الأحقاف 21 عطف القصة على القصة ويتعلق قوله هنا { إذْ صرفنا } بفعل يدل عليه قوله { واذكر أخا عاد } والتقدير واذكر إذ صرفنا إليك نفراً من الجن. وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر هذا للمشركين وإن كانوا لا يصدقونه لتسجيل بلوغ ذلك إليهم لينتفع به من يهتدي ولتكتب تبعته على الذين لا يهتدون. وليس في هذه الآية ما يقتضي أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الجن واختلف المفسرون لِهذه الآية في أن الجن حضروا بعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أو بدون علمه. ففي «جامع الترمذي» عن ابن عباس قال «ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، انطلق رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ فلما كانوا بنخْلة، اسم موضع وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر وكان نفر من الجن فيه فلما سمعوا القرآن رجعوا إلى قومهم، فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً». وفي «الصحيح» عن ابن مسعود «افتقدْنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وهو بمكة فقلنا ما فَعل به اغتيل أو واستطيرَ فبتنا بشرِّ ليلة حتى إذا أصبحنا إذا نحن به من قِبَل حِراء فقال " أتاني دَاعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن " وأيًّا مَّا كان فهذا الحادث خارق عادة وهو معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم قوله تعالىيا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي } في سورة الأنعام 130. والصرف البعث. والنفر عدد من الناس دون العشرين. وإطلاقه على الجن لتنزيلهم منزلة الإنس وبيانه بقوله { من الجن }. وجملة { يستمعون القرآن } في موضع الحال من الجن وحيث كانت الحال قيداً لعاملها وهو { صرفنا } كان التقدير يستمعون منك إذا حضروا لديك فصار ذلك مؤديا مؤدَّى المفعول لأجله.

السابقالتالي
2 3 4