الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

سيقت قصة هود وقومه مساق الموعظة للمشركين الذين كذبوا بالقرآن كما أخبر الله عنهم من أول هذه السورة في قولهوالذين كفروا عما أنذروا معرضون } الأحقاف 3 مع ما أعقبت به من الحجج المتقدمة من قولهقل أرأيتم ما تدعون من دون الله } الأحقاف 4 الذي يقابله قول هود { أن لا تعبدوا إلا الله } ثم قولهقل ما كنت بِدْعا من الرسل } الأحقاف 9 الذي يقابله قوله { وقد خَلَت النذُر من بين يديه ومن خلفه } ، ذلك كله بالموعظة بحال هود مع قومه. وسيقت أيضاً مساق الحجة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى عناد قومه بذكر مثال لحالهم مع رسولهم بحال عاد مع رسولهم. ولها أيضاً موقع التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم على ما تلقاه به قومه من العناد والبهتان لتكون موعظة وتسلية معا يأخذ كل منها ما يليق به. ولا تجد كلمة أجمع للمعنيين مع كلمة { اذكر } لأنها تصلح لمعنى الذكر اللساني بأن يراد أن يذكر ذلك لقومه، ولمعنى الذُكر بالضم بأن يتذكر تلك الحالة في نفسه وإن كانت تقدمت له وأمثالها لأن في التذكر مسلاة وإسوة كقوله تعالىاصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد } في سورة ص 17. وكلا المعنيين ناظر إلى قوله آنفاً { قل ما كنت بدعاً من الرسل } فإنه إذا قال لهم ذلك تذكروا ما يعرفون من قصص الرسل مما قصّه عليهم القرآن من قبل وتذكر هو لا محالة أحوال رسل كثيرين ثم جاءت قصة هود مثالاً لذلك. ومشركو مكة إذا تذكروا في حالهم وحال عاد وجدوا الحالين متماثلين فيجدر بهم أن يخافوا من أن يصيبهم مثل ما أصابهم. والاقتصار على ذكر عاد لأنهم أول الأمم العربية الذين جاءهم رسول بعد رسالة نوح العامة وقد كانت رسالة هود ورسالة صالح قبل رسالة إبراهيم عليهم السلام، وتأتي بعد ذكر قصتهم إشارة إجمالية إلى أمم أخرى من العرب كذبوا الرسل في قوله تعالىولقد أهلكنا ما حولكم من القرى } الأحقاف 27 الآية. وأخو عاد هو هود وتقدمت ترجمته في سورة الأعراف. وعبّر عنه هنا بوصفه دون اسمه العلَم لأن المراد بالذكر هنا ذكر التمثيل والموعظة لقريش بأنهم أمثال عاد في الإعراض عن دعوة رسول من أمتهم. والأخ يراد به المشارك في نسب القبيلة، يقولون يا أخا بني فلان، ويا أخا العرب، وهو المراد هنا وقد يراد بها الملازم والمصاحب، يقال أخو الحرب وأخو عزمات. " وقال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة " أنت أخونا ومولانا " وهو المراد في قوله تعالىكذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون } الشعراء 160، 161.

السابقالتالي
2