الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

يجوز أن يكون اسم الإشارة مشيراً إلى الذي قال لوالديه هذه المقالة لما علمت أن المراد به فريق، فجاءت الإشارة إليه باسم إشارة الجماعة بتأويل الفريق. ويجوز أن يكون { أولئك } إشارة إلى { الأوَّلين } من قولهفيقول ما هذا إلا أساطير الأولين } الأحقاف 17، وهم الذين روي أن ابنَ أبي بكر ذكرَهم حين قال فأين عبد الله بن جُدعان، وأيْنَ عثمان بن عمرو، ومشائخ قريش كما تقدم آنفاً. واستحضار هذا الفريق بطريق اسم الإشارة لزيادة تمييز حالهم العجيبة. وتعريف { القول } تعريف العهد وهو قول معهود عند المسلمين لما تكرر في القرآن من التعبير عنه بالقول في نحو آيةقال فالحق والحق أقول لأملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } ص 84، 85، ونحو قولهأفمن حقّ عليه كلمة العذاب } الزمر 19، فإن الكلمة قول، ونحو قولهلقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } يس 7 الآية. وإطلاقه في هذه الآية رشيق لصلوحية. وإقحام { كانوا خاسرين } دون أن يقال إنهم خاسرون، للإشارة إلى أن خسرانهم محقق فكني عن ذلك بجعلهم كائنين فيه. وتأكيد الكلام بحرف إنَّ لأنهم يظنون أن ما حصل لهم في الدنيا من التمتع بالطيبات فوزاً ليس بعده نكد لأنهم لا يؤمنون بالبعث والجزاء، فشبهت حالة ظنهم هذا بحال التاجر الذي قل ربحه من تجارته فكان أمره خسراً، وقد تقدم غير مرة منها قوله تعالىفما ربحت تجارتهم } في البقرة 16. وإيراد فعل الكون بقوله { كانوا خاسرين } دون الاقتصار على { خاسرين } لأن كان تدل على أن الخسارة متمكنة منهم.