الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

هذا الفريق المقصود من هذه الآيات المبدوءة بقوله تعالىووصينا الإنسان } الأحقاف 15. وهذا الفريق الذي كفر بربه وأساء إلى والديه، وقد عُلم أن والديه كانا مؤمنين من قوله { أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي } الآية. فجملة { والذي قال لوالديه } الأحسن أن تكون معطوفة على جملةوإذا تُتْلى عليهم آياتنا بينات } الأحقاف 7 الخ انتقال إلى مقالة أخرى من أصول شركهم وهي مقالة إنكار البعث. وأما قوله { الذي قال لوالديه } فالوجه جعله مفعولاً لفعل مقدر تقديره واذكر الذي قال لوالديه، لأن هذا الوجه يلائم كل الوجوه. ويجوز جعله مبتدأ وجملةأولئك الذين حق عليهم القول في أمم } الأحقاف 18 خبراً عنه على أحد الوجهين الاثنين في مرجع اسم الإشارة من قوله { أولئك الذين حق عليهم القول }. و { الذي } هنا اسم صادق على الفريق المتصف بصلته. وهذا وصف لفئة من أبناء من المشركين أسلم آباؤهم ودعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم وأغلظوا لهم القول فضمّوا إلى الكفر بشنيع عقوق الوالدين وهو قبيح لمنافاته الفطرة التي فطر الله الناس عليها لأن حال الوالدين مع أبنائهما يقتضي معاملتهما بالحسنى، ويدل لعدم اختصاص قوله في آخرها { أولئك الذين حق عليهم القول } إلى آخره. والذي عليه جمهور المفسرين أن الآية لا تعْني شخصاً معيناً وأن المراد منها فريق أسلم آباؤهم ولم يسلموا حينئذٍ. وعن ابن عباس ومروانَ بن الحكم ومجاهد والسدّي وابن جريج أنّها نزلت في ابنٍ لأبي بكر الصديق واسمه عبد الكعبة الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمان بعد أن أسلم عبد الرحمان قالوا كان قبل الهجرة مُشركاً وكان يدعوه أبوه أبو بكر وأمه أم رُومان إلى الإسلام ويذكّرانه بالبعث، فيردّ عليهما بكلام مثل ما ذكره في هذه الآية. ويقول فأيْن عبد الله بن جُدعان، وأين عثمان بن عمرو، وأيْنَ عامر بن كعب، ومشايخُ قريش حتى أسألهم عمّا يقول محمد. لكن ليست الآية خاصة به حتى تكون نازلة فيه، وبهذا يؤول قول عائشة رضي الله عنها لما قال مروان بن الحكم لعبد الرحمان هو الذي يقول الله فيه { والذي قال لوالِدَيْه أفّ لكما }. وذلك في قصة إشارة عبد الرحمان على مروان أخذه البيعة ليزيد بن معاوية بالعهد له بالخلافة. ففي «صحيح البخاري» في كتاب التفسير عن يوسف بن ماهك أنه قال «كان مروان ابن الحكم على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايَع له بعد أبيه أي بولاية العهد فقال له عبد الرحمان بن أبي بكر أهِرَقْليَّة أي اجعلتموها وراثة مثل سلطنة هرقل فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان إن هذا الذي أنزل الله فيه { والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني } ، فقالت عائشة من وراء الحجاب ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلا أن الله أنزل عذري أي براءتي.

السابقالتالي
2 3