الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ }

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ }. هذا حكاية خطأ آخر من أخطاء حجج المشركين الباطلة وهو خطأ منشؤه الإعجاب بأنفسهم وغرورهم بدينهم فاستدلوا على أن لا خير في الإسلام بأن الذين ابتدروا الأخذ به ضعفاء القوم وهم يعدونهم منحطين عنهم، فهم الذين قالواأهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا } كما تقدم في الأنعام 53، وهو نظير قول قوم نوحوما نراك اتبعك إلا الذين هم أرَاذِلُنا بادي الرأي } هود 27، ومناسبته لما قبله أنه من آثار استكبارهم فناسب قولهواستكبرتم } الأحقاف 10. واللام في قوله { للذين آمنوا } لام التعليل متعلقة بمحذوف، هو حال من الذين كفروا تقديره مخصصين أو مريدين كاللام في قوله تعالىوقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزَّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } آل عمران 156، وقوله في الآية السابقةقال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين } الأحقاف 7. وليست هي لام تعدية فعل القول إلى المخاطب بالقول نحوألمْ أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } الكهف 75 المسمّاة لام التبليغ. والضمير المستتر في { كان } عائد إلى ما عد إليه ضميرإن كان من عند الله } الأحقاف 10 وهو القرآن المفهوم من السياق أوما يوحى إليّ } الأحقاف 9. والسبق أطلق على تحصيل شيء قبل أن يحصله آخر، شبّه بأسرع الوصول بين المتجارين، والمراد الأخذ بما جاء به القرآن من العقائد والأعمال. وضمير الغيبة في قوله { سبقونا } عائد إلى غير مذكور في الآية ولكنه مذكور في كلام الذين كفروا الذي حكته الآية أرادوا به المؤمنين الأولين من المستضعفين مثل بلال وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وسمية، وزنّيرة بزاي معجمة مكسورة ونون مكسورة مشددة مشبعة وراء مهملة أمة رومية كانت من السابقات إلى الإسلام وممن عذبهنّ المشركون ومن أعتقهن أبو بكر الصديق. وعن عروة بن الزبير قال عظماء قريش لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتنا إليه زنّيرة، أي من جملة أقوالهم التي جمعها القرآن في ضمير سبقونا. { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قديم }. عطف على جملة { وقال الذين كفروا للذين آمنوا } الآية، أي فقد استوفوا بمزاعمهم وجوه الطعن في القرآن فقالواسحر مبين } الأحقاف 7 وقالواافتراه } الأحقاف 8، وقالوا { لو كان خيراً ما سبقونا إليه } ، وبقي أن يقولوا هو { إفك قديم }. وقد نبه الله على أن مزاعمهم كلها ناشئة عن كفرهم واستكبارهم بقوله { قال الذين كفروا } وقولهوكفرتم به } الأحقاف 10 وقولهواستكبرتم } الأحقاف 10 وقوله { وإذ لم يهتدوا به } الآية. وإذ قد كانت مقالاتهم رامية إلى غرض واحد وهو تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم كان توزيع أسبابها على مختلف المقالات مشعراً بأن جميعها أسباب لِجميعها.

السابقالتالي
2