الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ }

يجوز أن تكون الإشارة وبيانها بآيات الله إشارة إلى الآيات المذكورة في قولهلآيات للمؤمنين } الجاثية 3 وقولهآيات لقوم يوقنون } الجاثية 4 وقولهآيات لقوم يعقلون } الجاثية 5.وإضافتها إلى اسم الجلالة لأن خالقها على تلك الصفات التي كانت لها آيات للمستنصرين.وجملة { نتلوها عليك بالحق } في موضع الحال من { آيات الله } والعامل في اسم الإشارة من معنى الفعل على نحو قوله تعالىوهذا بَعْلِي شيخاً } هود 72.والتلاوة القراءة. ومعنى كون الآيات مَتلوة أنّ في ألفاظ القرآن المتلوة دلالة عليها فاستعمال فعل نتلو مجاز عقلي لأن المتلوَ ما يدل عليها.ويجوز أن تكون الإشارة إلى حاضر في الذهن غير مذكور لما دَل عليه قولهالكتاب } الجاثية 2 أي تلك آيات الله المنزلة في القرآن، فيكون استعمال فعل { نتلوها } في حقيقته.وإسناد التلاوةِ إلى الله مجاز عقلي أيضاً لأن الله موجد القرآن المتلو الدال على تلك الآيات.وقوله { فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون } ، و { بعد } هنا بمعنى دون. فالمعنى فبأي حديث دون الله وآياته، وتقدم قوله تعالىومن يضلل الله فما له من ولي من بعده } في سورة الشورى 44، وفي الأعراف 185فبأي حديث بعده يؤمنون } والاستفهام في قوله { فبأي حديث } مستعمل في التأييس والتعجيب كقول الأعشى
فمن أيِّ ما تأتي الحوادث أفرَقُ   
وإضافة { بعد } إلى اسم الجلالة على تقدير مضاف دل عليه ما تقدم من قوله { فبأي حديث } ، والتقدير بعد حديث الله، أي بعد سماعه، كقول النابِغة
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل   
أي على مخافة وعل.واسم { بعد } مستعمل في حقيقته.والمراد بالحديث الكلام، يعني القرآن كقولهالله نَزَّل أحسن الحديث } الزمر 23 وكما وقع إضافة حديث إلى ضمير القرآن في قوله في الأعراف 185فبأيّ حديث بعده يؤمنون } وفي آخر المرسلات 50فبأيّ حديث بعده يؤمنون } وعطف و { آياته } على { حديث } لأن المراد بها الآيات غير القرآن من دلائل السموات والأرض مما تقدم في قولهإن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين } الجاثية 3.وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص وأبو جعفر وروح عن يعقوب { يؤمنون } بالتحتية. وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ورويس عن يعقوب بالتاء الفوقية فهو التفات.