الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ }

الفاء لعطف المفصل على المجمل، وهو تفصيل لما أجمل في قولهوترى كل أمة جاثية } الجاثية 28 وما بينهما اعتراض.فالكلام هنا هو متصل بقوله { وترى كل أمة جاثية } كما دل عليه قوله { وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم }.وابتدىء في التفصيل بوصف حال المؤمنين مع أن المقام للحديث عن المبطلين في قولهيومئذٍ يخسر المبطلون } الجاثية 27 تنويهاً بالمؤمنين وتعجيلاً لمسرتهم وتعجيلاً لمساءة المبطلين لأن وصف حال المؤمنين يُؤذن بمخالفة حال الآخَرين لحالهم.والتعبير بــيدخلهم في رحمته شامل لما تتصوره النفس من أنواع الكرامة والنعيم إذ جعلت رحمة الله بمنزلة المكان يدخلونه.وافتتح بيان حال الذين كفروا بما يقال لهم من التوبيخ والتقرير من قِبَل الله تعالى، فقوله { أفلم تكن آياتي } مقول قول محذوف لظهور أن ذلك خطاب صادر من متكلم من جانب الله تعالى فيقدر فيقال لهم على طريقة قوله بعدوقيل اليوم ننساكم } الجاثية 34. والفاء جواب { أمّا } ، أو فيقال لهم { أفلم تكن آياتي تتلى عليكم } فلما حذف فعل القول قُدم حرف الاستفهام على فاء الجواب اعتداداً باستحقاقه التصديرَ كما يُقدم الاستفهام على حروف العطف. ولم يتعدّ بالمحذوف لأن التقديم لدفع الكراهة اللفظية من تأخر الاستفهام عن الحرف وهي موجُودة بعد حذف ما حُذف.والاستفهام توبيخ وتقرير. والمراد بالآيات القرآن، أي فاستكبرتم على الأخذ بها ولم تقتصروا على الاستكبار بل كنتم قوماً مجرمين، أي لم تفدكم مواعظ القرآن صلاحاً لأنفسهم بما سمعتم منه. وإقحام { قوماً } دون الاقتصار على وكنتم مجرمين، للدلالة على أن الإجرام صار خُلقاً لهم وخالط نفوسهم حتى صار من مقومات قوميتهم وقد قدمناه غير مرة.وجملة { وإذا قيل إن وعد الله حق } إلخ عطف على جملة { فاستكبرتم }. والتقدير وقلتم ما ندري ما الساعة إذا قيل لكم إن الساعة لا ريبَ فيها. وَهذانِ القولان مما تكرر في القرآن بلفظه وبمعناه، فهو تخصيص لبعض آيات القرآن بالذكر بعد التعميم في قوله { أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم }.والتعريف في { الساعة } للعهد وهي ساعة البعث، أي زمان البعث كما عبر عنه باليوم. وقرأ الجمهور { والساعة لا ريب فيها } برفع { الساعة } عطف على جملة { إن وعد الله حق }. وقرأه حمزة وحده بنصب { والساعة } عطفاً على { إن وعد الله } من العطف على معمولي عامل واحد. ومعنى { ما ندري ما الساعة } ما نعلم حقيقة الساعة ونفي العلم بحقيقتها كناية عن جحد وقوع الساعة، أي علمنا أنها لا وقوع لها، استناداً للتخيلات التي ظنوها أدلةً كقولهمأإذا كنا عظاماً ورفاتاً أإنا لمبعوثون خلقاً جديداً } الإسراء 49.وقوله { إن نظن إلا ظناً } ظاهر في أنه متصل بما قبله من قولهم { ما ندري ما الساعة } ومبين بما بعده من قوله { وما نحن بمستيقنين } وموقعه ومعناه مشكل، وفي نظمه إشكال أيضاً.

السابقالتالي
2