الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.اعتراض تذييل لقولهقل الله يحييكم ثم يميتكم } الجاثية 26 أي لله لا لغيره مُلك السماوات والأرض، أي فهو المتصرف في أحوال ما حوته السماوات والأرض من إحياء وإماتة، وغير ذلك بما أوجد من أصولها وما قدّر من أسبابها ووسائلها فليس للدهر تصرف ولا لما سوى الله تعالى. وتقديم المجرور على المسند إليه لإفادة التخصيص لرد معتقدهم من خروج تصرف غيره في بعض ما في السماوات والأرض كقولهم في الدهر. { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ * وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.لما جرى ذِكْر يوم القيامة أعقب بإنذار الذين أنكروه من سوء عاقبتهم فيه.و الآتون بالباطل في معتقداتهم وأقوالهم وأعمالهم إذ الباطل ما ضادَّ الحق. والمقصود منه ابتداء هنا هو الشرك بالله فإنه أعظم الباطل ثم تجيء درجات الباطل متنازلة وما من درجة منها إلا وهي خسارة على فاعلها بقدر فعلته وقد أنذر الله الناس وهو العليم بمقادير تلك الخسارة. { ويوم تقوم الساعة } ظرف متعلق بــ { يخسر } ، وقدم عليه للاهتمام به واسترعاء الأسماع لما يرد من وصف أحواله.و { يومئذٍ } توكيد لــ { يوم تقوم الساعة } وتنوينه عوض عن المضاف إليه المحذوف لدلالة ما أضيف إليه يومَ عليه، أي يوم إذْ تقوم الساعة يخسر المبطلون فالتأكيد بتحقيق مضمون الخبر ولتهويل ذلك اليوم.والخطاب في { ترى } لكل من يصلح له الخطاب بالقرآن فلا يقصد مخاطب معين، ويجوز أن يكون خطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم. والمضارع في { ترى } مراد به الاستقبال فالمعنى وترى يومئذٍ.والأمة الجماعة العظيمة من الناس الذين يَجمعهم دين جاء به رسول إليهم.و { جاثية } اسم فاعل من مصدر الجُثُوِّ بضمتين وهو البروك على الرُكبتين باستئفاز، أي بغير مباشرة المقعدة للأرض، فالجاثي هو البارك المستوفز وهو هيئة الخضوع.وظاهر كون { كتابها } مفرداً غير معرف باللام أنه كتاب واحد لكل أمة فيقتضي أن يراد كتاب الشريعة مثل القرآن، والتوراة، والإنجيل، وصحف إبراهيم وغير ذلك لا صحائف الأعمال، فمعنى { تدعى إلى كتابها } تدعى لتعرض أعمالها على ما أُمرت به في كتابها كما في الحديث " القرآن حجةٌ لك أو عليك " وقيل أريد بقوله { كتابها } كتاب تسجيل الأعمال لكل واحد، أو مراد به الجنس وتكون إضافته إلى ضمير الأمة على إرادة التوزيع على الأفراد لأن لكل واحد من كل أمة صحيفة عمله خاصة به كما قال تعالىاقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } الإسراء 14، وقالوَوضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه } الكهف 49 أي كل مجرم مشفق مما في كتابه، إلا أن هذه الآية الأخيرة وقع فيها الكتاب معرفاً باللام فقبل العمومَ. وأما آية الجاثية فعمومها بدليّ بالقرينة.

السابقالتالي
2 3