الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

الوجه أن يكون سَوق خبر بني إسرائيل هنا توطئةً وتمهيداً لقوله بعدهثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } الجاثية 18 أثار ذلك ما تقدم من قولهويل لكلّ أفّاك أثيم يسمع آيات الله تُتْلَى عليه } الجاثية 7 إلى قولهاتخذها هزؤا } الجاثية 9 ثم قولهقل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } الجاثية 14 فكان المقصدُ قولَهثم جعلناك على شريعة من الأمر } الجاثية 18 ولذلك عطفت الجملة بحرف { ثمَّ } الدال على التراخي الرتبي، أي على أهمية ما عطف بها.ومقتضى ظاهر النظم أن يقع قوله ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب } الآيتين بعد قولهجعلناك على شريعة من الأمر } الجاثية 18 فيكونَ دليلاً وحجة له فأخرج النظم على خلاف مقتضى الظاهر فجعلت الحجة تمهيداً قصداً للتشويق لما بعده، وليقع ما بعده معطوفاً بــ { ثم } الدالةِ على أهمية ما بعدها.وقد عرف من تورك المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن ما حكاه الله عنهم في قولهفلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثلَ ما أوتي موسى } القصص 48 وقولهملولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } الفرقان 32، فمن أجل ذلك وقع هذا بعد قولهويل لكل أفّاك أثيم } الجاثية 7 إلى قولهوإذا عَلم من آياتنا شيئاً اتخذها هزؤا } الجاثية 9 وقولهقل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } الجاثية 14، فالجملة معطوفة على تلك الجمل.وأدمج في خلالها ما اختلف فيه بنو إسرائيل على ما دعتهم إليه شريعتهم، لما فيه من تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة قومه دعوته تنظيراً في أصل الاختلاف دون أسبابه وعوارضه.ولما كان في الكلام ما القصد منه التسلية والاعتبار بأحوال الأمم حَسن تأكيد الخبر بلام القسم وحرفِ التحقيق، فمصب هذا التحقيق هو التفريع الذي في قولهفما اختلفوا حتى جاءهم العلم } يونس 93 تأكيداً للمؤمنين بأن الله يقضي بينهم وبين المشركين كشأنه فيما حدث بين بني إسرائيل.وقد بُسِط في ذكر النظير في بني إسرائيل من وصف حالهم حينما حدث الاختلاف بينهم، ومن التصريح بالداعي للاختلاف بينهم ما طُوي من مِثلِ بعضِه من حال المشركين حين جاءهم الإسلام فاختلفوا مع أهله إيجازاً في الكلام للاعتماد على ما يفهمه السامعون بطريق المقايسة على أن أكثره قد وقع تفصيله في الآيات السابقة مثل قولهتِلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } الجاثية 6 وقولههذا هدى } الجاثية 11 فإن ذلك يقابل قولَه هنا { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحُكم والنبوءة } ومثل قولهوسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض } الجاثية 13 فإنه يقابل قولَه هنا { ورَزقناهم من الطيبات } ، ومثل قولهيسمع آيات الله تُتْلَى عليه ثم يُصرّ مستكبراً } الجاثية 8 إلى قولهلهم عذاب مهين } الجاثية 9 فإنه يقابل قوله هنا { وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } ، ومثل قوله

السابقالتالي
2 3