الوجه أن يكون سَوق خبر بني إسرائيل هنا توطئةً وتمهيداً لقوله بعده{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها } الجاثية 18 أثار ذلك ما تقدم من قوله{ ويل لكلّ أفّاك أثيم يسمع آيات الله تُتْلَى عليه } الجاثية 7 إلى قوله{ اتخذها هزؤا } الجاثية 9 ثم قوله{ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } الجاثية 14 فكان المقصدُ قولَه{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر } الجاثية 18 ولذلك عطفت الجملة بحرف { ثمَّ } الدال على التراخي الرتبي، أي على أهمية ما عطف بها.ومقتضى ظاهر النظم أن يقع قوله ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب } الآيتين بعد قوله{ جعلناك على شريعة من الأمر } الجاثية 18 فيكونَ دليلاً وحجة له فأخرج النظم على خلاف مقتضى الظاهر فجعلت الحجة تمهيداً قصداً للتشويق لما بعده، وليقع ما بعده معطوفاً بــ { ثم } الدالةِ على أهمية ما بعدها.وقد عرف من تورك المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن ما حكاه الله عنهم في قوله{ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثلَ ما أوتي موسى } القصص 48 وقولهم{ لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } الفرقان 32، فمن أجل ذلك وقع هذا بعد قوله{ ويل لكل أفّاك أثيم } الجاثية 7 إلى قوله{ وإذا عَلم من آياتنا شيئاً اتخذها هزؤا } الجاثية 9 وقوله{ قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } الجاثية 14، فالجملة معطوفة على تلك الجمل.وأدمج في خلالها ما اختلف فيه بنو إسرائيل على ما دعتهم إليه شريعتهم، لما فيه من تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة قومه دعوته تنظيراً في أصل الاختلاف دون أسبابه وعوارضه.ولما كان في الكلام ما القصد منه التسلية والاعتبار بأحوال الأمم حَسن تأكيد الخبر بلام القسم وحرفِ التحقيق، فمصب هذا التحقيق هو التفريع الذي في قوله{ فما اختلفوا حتى جاءهم العلم } يونس 93 تأكيداً للمؤمنين بأن الله يقضي بينهم وبين المشركين كشأنه فيما حدث بين بني إسرائيل.وقد بُسِط في ذكر النظير في بني إسرائيل من وصف حالهم حينما حدث الاختلاف بينهم، ومن التصريح بالداعي للاختلاف بينهم ما طُوي من مِثلِ بعضِه من حال المشركين حين جاءهم الإسلام فاختلفوا مع أهله إيجازاً في الكلام للاعتماد على ما يفهمه السامعون بطريق المقايسة على أن أكثره قد وقع تفصيله في الآيات السابقة مثل قوله{ تِلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } الجاثية 6 وقوله{ هذا هدى } الجاثية 11 فإن ذلك يقابل قولَه هنا { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحُكم والنبوءة } ومثل قوله{ وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض } الجاثية 13 فإنه يقابل قولَه هنا { ورَزقناهم من الطيبات } ، ومثل قوله{ يسمع آيات الله تُتْلَى عليه ثم يُصرّ مستكبراً } الجاثية 8 إلى قوله{ لهم عذاب مهين } الجاثية 9 فإنه يقابل قوله هنا { وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } ، ومثل قوله