الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ } * { طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } * { كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ } * { كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } * { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } * { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } * { إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ }

لما ذكر الله فريقاً مرحومين على وجه الإجمال قابله هنا بفريق معذَّبون وهم المشركون، ووصف بعض أصناف عذابهم وهو مأكلهم وإهانتهم وتحريقهم، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم كما قال في سورة الواقعة 51، 52ثم إنكم أيها الضالّون المكذّبون لآكلون من شجرٍ من زقومٍ } الآية، فعُدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم بأنها طعام الأثيم اهتماماً بالإعلام بحال هذه الشجرة. وقد جُعلت شجرة الزقوم شيئاً معلوماً للسامعين فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة لأنها سبق ذكرها في سورة الواقعة التي نزلت قبل سورة الدخان فإن الواقعة عدت السادسة والأربعين في عداد نزول السور وسورة الدخان ثالثة وستين. ومعنى كون الشجرة طعاماً أن ثمرها طعام، كما قال تعالىطَلعُها كأنه رؤوس الشياطين فإنَّهم لآكلون منها } الصافات 65، 66.وكتبت كلمة { شجرت } في المصاحف بتاء مفتوحة مراعاة لحالة الوصل وكان الشائع في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف، فهذا مما جاء على خلاف الأصل.و { الأثيم } الكثير الآثام كما دلت عليه زنة فَعيل. والمراد به المشركون المذكورون في قولهإنّ هؤلاء ليَقُولُون إن هي إلاّ موتتنا الأولى } الدخان 34، 35، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه.وتقدم الكلام على شجرة الزقوم في سورة الصافات 62 عند قوله تعالىأذَلك خَيْرٌ نُزُلاً أم شجرة الزقوم } والمُهل بضم الميم دُرْدِيُّ الزيت. والتشبيه به في سواد لونه وقيل في ذوبانه.و { الحميم } الماء الشديد الحرارة الذي انتهى غليانه، وتقدم عند قوله تعالىلهم شرابٌ من حميم } في سورة الأنعام 70. ووجه الشبه هو هيئة غليانه.وقرأ الجمهور { تغلي } بالتاء الفوقية على أن الضمير لــ { شجرة الزقوم }. وإسناد الغليان إلى الشجَرَةِ مجاز وإنما الذي يغلي ثمرها. وقرأه ابن كثير وحفص بالتحتية على رجوع الضمير إلى الطعام لا إلى المُهل.والغليان شدة تأثر الشيء بحرارة النار يقال غلي الماء وغلت القدر، قال النابغة
يسير بها النعمان تغلي قدوره   
وجملة { خذوه } الخ مقول لقول محذوف دلّ عليه السياق، أي يقال لملائكة العذاب خذوه، والضمير المفرد عائد إلى الأثيم باعتبار آحاد جنسه.والعَتْلُ القوْد بعنف وهو أن يؤخذ بتلبيب أحد فيقاد إلى سجن أو عذاب، وماضيه جاء بضم العين وكسرها.وقرأه بالضم نافع وابن كثير وابن عامر. وقرأه الباقون بكسر التاء.وسَواء الشيء وسطه وهو أشد المكان حرارة.وقوله { إلى سواء الجحيم } يتنازعه في التعلق كلٌّ من فعلي { خذوه فاعتلوه } لتضمنهما سوقوه سوقاً عنيفاً.و { ثم } للتراخي الرتبي لأن صب الحميم على رأسه أشد عليه من أخذه وعتله.والصبّ إفراغ الشيء المظروف من الظرف وفعل الصّبّ لا يتعدى إلى العذاب لأن العذاب أمر معنوي لا يصب. فالصب مستعار للتقوية والإسراع فهو تمثيلية اقتضاها ترويع الأثيم حين سمعها، فلما كان المحكي هنا القول الذي يسمعه الأثيم صيغ بطريقة التمثيلية تهويلاً، بخلاف قوله

السابقالتالي
2