الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ } * { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

هذه الجملة تتنزل من التي قبلها منزلة النتيجة من الاستدلال ولذلك لم تعطف، والمعنى فيوم الفصل ميقاتهم إعلاماً لهم بأن يوم القضاء هو أجَل الجزاء، فهذا وعيد لهم وتأكيد الخبر لرد إنكارهم.و { يوم الفصل } هو يوم الحكم، لأنه يفصل فيه الحق من الباطل وهو من أسماء يوم القيامة قال تعالىلأيّ يوم أُجِّلَت ليوم الفصل } المرسلات 12، 13.والميقات اسم زمان التوقيت، أي التأجيل، قال تعالىإن يوم الفصل كان ميقاتاً } النبإ 17، وتقدم عند قوله تعالىقل هي مواقيت للناس والحجّ } في سورة البقرة 189 وحذف متعلق الميقات لظهوره من المقام، أي ميقات جزائهم.وأضيف الميقات إلى ضمير المخبر عنهم لأنهم المقصود من هذا الوعيد وإلاّ فإن يوم الفصل ميقات جميع الخلق مؤمنيهم وكفارهم.والتأكيد بـ { أجمعين } للتنصيص على الإحاطة والشمول، أي ميقات لجزائهم كلهم لا يفلت منه أحد منهم تَقْوِيَةً في الوعيد وتأييساً من الاستثناء.و { يوم لا يغني مولى } بدل من { يوم الفصل } أو عطف بيان. وفتحة { يوم لا يغنى } فتحة إعراب لأن { يوم } أضيف إلى جملة ذات فعل معرب.والمولى القريب والحليف، وتقدم عند قوله تعالىوإني خِفتُ الموالي من ورائي } في سورة مريم 5. وتنكير { مولًى } في سياق النفي لإفادة العموم، أي لا يغني أحد من الموالي كائناً من كان عن أحد من مواليه كائناً من كان.و { شيئاً } مفعول مطلق لأن المراد { شيئاً } من إغناء. وتنكير { شيئاً } للتقليل وهو الغالب في تنكير لفظ شيء، كما قال تعالىوشيءٍ من سِدْرٍ قليلٍ } سبأ 16. ووقوعه في سياق النفي للعموم أيضاً، يعني أيَّ إغناء كان في القلة بَلْهَ الإغناء الكثير. والمعنى يوم لا تغني عنهم مواليهم، فعُدل عن ذلك إلى التعميم لأنه أوسع فائدة إذ هو بمنزلة التذييل.والإغناء الإفادة والنفع بالكثير أو القليل، وضميرا { ولا هم ينصرون } راجعان إلى ما رجع إلَيْهِ ضميرأهم خيرٌ } الدخان 37، وهو اسم الإشارة من قولهإن هؤلاء ليقولون } الدخان 34. والمعنى أنهم لا يغني عنهم أولياؤهم المظنون بهم ذلك ولا ينصرهم مقيَّضون آخرون ليسوا من مواليهم تأخذهم الحمية أو الغيرة أو الشفقة فينصرونهم.والنصر الإعانة على العدوّ وعلى الغالب، وهو أشد الإغْناء. فعطف { ولا هم ينصرون } على { لا يغني مولى عن مولى شيئاً } زيادة في نفي عدم الإغناء.فمحصل المعنى أنه لا يغني مُوال عن مُواليه بشيء من الإغناء حسب مستطاعه ولا ينصرهم ناصر شديد الاستطاعة هو أقوى منهم يدفع عنهم غلب القوي عليهم، فالله هو الغالب لا يدفعه غالب. وبُني فعل { ينصرون } إلى المجهول ليعم نفي كل ناصر مع إيجاز العبارة.والاستثناء بقوله { إلا من رحم الله } وقع عقب جملتي { لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون } فحُق بأن يرجع إلى ما يَصلح للاستثناء منه في تينك الجملتين.

السابقالتالي
2