الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } * { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } * { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

القول في نظير هذا القَسَم وجوابه تقدم في أول سورة الزخرف. ونوه بشأن القرآن بطريقة الكناية عنه بذكر فضل الوقت الذي ابتدىء إنزاله فيه.فتعريف { الكتاب } تعريف العهد، والمراد بالكتاب القرآن.ومعنى الفعل في { أنزلناه } ابتداء إنزاله فإن كل آية أو آيات تنزل من القرآن فهي منضمة إليه انضمام الجزء للكل، ومجموع ما يبلغ إليه الإنزال في كل ساعة هو مسمّى القرآن إلى أن تم نزول آخر آية من القرآن.وتنكير { ليلة } للتعظيم، ووصفها بــ { مباركة } تنويه بها وتشويق لمعرفتها. فهذه الليلة هي الليلة التي ابتدُىء فيها نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في الغار من جَبل حِرَاءٍ في رمضان قال تعالىشهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن } البقرة 185.والليلة التي ابتدىء نزول القرآن فيها هي ليلة القدر قال تعالىإنا أنزلناه في ليلة القدر } القدر 1. والأصح أنها في العشر الأواخر من رمضان وأنها في ليلة الوتر. وثبت أن الله جعل لنظيرتها من كل سنة فضلاً عظيماً لكثرة ثواب العبادة فيها في كل رمضان كرامة لذكرى نزول القرآن وابتداء رسالة أفضل الرسل صلى الله عليه وسلم إلى النّاس كافة. قال تعالىتنزَّل الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربّهم من كل أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر } القدر 4، 5. وذلك من معاني بركتها وكم لها من بركات للمسلمين في دينهم، ولعل تلك البركة تسري إلى شؤونهم الصالحة من أمور دنياهم.فبركة الليلة التي أنزل فيها القرآن بركة قدَّرها الله لها قبل نزول القرآن ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها مُلابساً لوقت مبارك فيزداد بذلك فضلاً وشرفاً، وهذا من المناسبات الإلـٰهية الدقيقة التي أنبأنا الله ببعضها. والظاهر أن الله أمدّها بتلك البركة في كل عام كما أومأ إلى ذلك قوله { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } إذ قاله بعد أن مضى على ابتداء نزول القرآن بضْعَ عشرة سنة. وقولُهليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ } القدر 3 وقوله { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } وقوله { فيها يفرق كل أمر حكيم }. وعن عكرمة أن الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان وهو قول ضعيف.واختلف في الليلة التي ابتدىء فيها نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم من ليالي رمضان، فقيل هي ليلة سبعَ عشرة منه ذكره ابن إسحاق عن الباقر أخذاً من قوله تعالىإن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } الأنفال 41 فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبعَ عشرة ليلة من رمضان اهــ. أي تأول قولهوما أنزلنا على عبدنا } الأنفال 41 أنه ابتداء نزول القرآن. وفي المراد بــ { ما أنزلنا } احتمالات ترفع الاحتجاج بهذا التأويل بأن ابتداء نزول القرآن كان في مثل ليلة يوم بدر.

السابقالتالي
2 3 4