الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ }

هذه جملة معترضة بين جملةهذا عذاب أليم } الدخان 11 وجملةأنّى لهم الذكرى } الدخان 13 فهي مقول قول محذوف. وحملها جميع المفسرين على أنها حكاية قولِ الذين يغشاهم العذابُ بتقدير يقولون ربّنا اكشف عنا العذاب، أي هو وَعد صادر من النّاس الذين يغشاهم العذاب بأنهم يؤمنون إن كشف عنهم العذاب أي فيكون مثل قوله تعالى في سورة الزخرف 49وقالوا يا أيها الساحر ادعُ لنا ربّك بما عهد عندك إننا لمهتدون } أي إنْ دعوتَ ربّك اتبعناك ويكون بمعنى قوله في سورة الأعراف 134ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادْعُ لنا ربّك } إلى قولهلئن كشفت عنا الرجز لَنُؤمِنَن لك } الأعراف 134 ومما تسمح به تراكيب الآية وسياقها أن يكون القول المحذوف مقدَّراً بفعلِ أمرٍ أي قولوا لتلقين المسلمين أن يستعيذوا بالله من أن يصيبهم ذلك العذاب إذ كانوا والمشركين في بلد واحد كما استعاذ موسى عليه السلام بقولهأتهلكنا بما فعل السفهاء منا } الأعراف 155. وفيه إيماء إلى أن الله سيخرج المؤمنين من مكة قبل أن يحلّ بأهلها هذا العذاب، فهذا التلقين كالذي في قوله تعالىربّنا لا تُؤاخذنآ إن نسينآ أو أخطأنا } البقرة 286 الآيات. وعليه فجملة { إنا مؤمنون } تعليل لطلب دفع العذاب عنهم، أي إنا متلبسون بما يدفع عنا عذاب الكافرين، وفي تلقينهم بذلك تنويه بشرف الإيمان، وأسلوبُ الكلام جارٍ على أن جملة { إنا مؤمنون } تعليل لطلب كشف العذاب عنهم لما يقتضيه ظاهر استعمال حرف إنَّ من معنى الإخبار دون الوعد، ومن التعليل دون التأكيد، ولما يقتضيه اسم الفاعل في زمن الحال دون الاستقبال، ولأن سياقه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بترقب إعانة الله إياه على المشركين، كما كان يدعو " أعني عليهم بسبع كسني يوسف " فمقتضى المقام تأمينُه من أن يصيبَ العذابُ المسلمين وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر مادة الكشف تقتضي إزالة شيء كان حاصلاً في شيء إلاّ أن الكشف هنا لما لم يكن مستعملاً في معناه الحقيقي كان مجازه محتملاً أن يكون مستعملاً في منع حصول شيء يُخشى حصوله كما في قوله تعالىإلاَّ قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } يونس 98 فإن قوم يونس لم يحل بهم عذاب فزال عنهم ولكنهم تُوعدوا به فبادروا بالإيمان فنجاهم الله منه، وقول جعفر بن عُلْبة الحارثي
لا يَكشف الغَماء إلا ابنُ حرة يَرى غمراتِ الموت ثم يَزُورها   
أراد أنه يمنع العدوّ من أن ينالهم بسوء، ومحتملاً للاستعمال في زوال شيء كان حصل. ولم يذكر أحد من رواة السِير والآثار أن المشركين وعَدوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يسلمون إن أزال الله عنهم القحط.