الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ }

القيل مصدر قَال، والأظهر أنه اسم مراد به المفعول، أي المقول مثل الذِبح وأصله قِوْل، بكسر القاف وسكون الواو. والمعنى ومقوله.والضمير المضاف إليه قيل ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم بقرينة سياق الاستدلال وَالحجاجِ من قولهقل إن كان للرحمٰن ولدٌ فأنا أول العابدين } الزخرف 81، وبقرينة قوله { يا رب } وبقرينة أنه قال { إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } وبقرينة إجابته بقولهفاصفح عنهم وقلْ سلام } الزخرف 89، والأولى أن يكون ضمير الغائب التفاتاً عن الخطاب في قولهولئن سألتهم من خلقهم } الزخرف 87، فإنه بعد ما مضى من المحاجّة ومن حكاية إقرارهم بأن الله الذي خلقهم، ثم إنهم لم يتزحزحوا عن الكفر قيد أنملة، حصل اليأس للرسول من إيمانهم فقال { يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } التجاء إلى الله فيهم وتفويضاً إليه ليجري حكمه عليهم.وهذا من استعمال الخبر في التحسر أو الشكاية وهو خبر بمعنى الإنشاء مثل قوله تعالىوقال الرسول يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } الفرقان 30، أي لم يعملوا به فلم يؤمنوا، ويؤيّد هذا تفريعفاصفَح عنهم } الزخرف 89، ففي ضمير الغيبة التفات لأن الكلام كان جارياً على أسلوب الخطاب من قولهولئن سألتهم من خلقهم } الزخرف 87 فمقتضى الظاهر وقولَكَ يا ربّ الخ. ويحسِّن هذا الالتفات أنه حكاية لشيء في نفس الرّسول فجعل الرسول بمنزلة الغائب لإظهار أن الله لا يهمل نداءه وشكواه على حدّ قوله تعالىعبس وتولّى } عبس 1. وإضافة القيل إلى ضمير الرسول مشعرة بأنه تكرر منه وعرف به عند ربّه، أي عُرف بهذا وبما في معناه من نحو { يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً وقولهحتى يقول الرسول والذين آمنوا معه مَتَى نصر الله } البقرة 214.وقرأ الجمهور { وقيلَه } بنصب اللام على اعتبار أنه مصدر نُصب على أنه مفعول مطلق بَدل من فعله.والتقدير وقال الرسول قيلَه، والجملة معطوفة على جملةولئن سألتهم من خلقهم } الزخرف 87 أو على جملةفأنىٰ يؤفكون } الزخرف 87، أي وقال الرسول حينئذٍ يا ربّ الخ. ونظيره قول كعب بن زهير
تمشي الوشاة جنابيْها وقيلَهم إنك يا بنَ أبي سُلْمى لمقتول   
على رواية قيلَهم ونصبه، أي ويقولون قيلهم وهي رواية الأصمعي.ويجوز أن يكون النصب على المفعول به لقولهلا نَسْمَع } الزخرف 80، والتقدير بلى ونعلم قِيلَه وهذا اختيار الفراء والأخفش، وقال المبرد والزجاج هو منصوب بفعل مقدر دل عليه قولهوعنِده علم الساعة } الزخرف 85 أي ويعلم قيله.وقرأ عاصم وحمزة بجرّ لام قيلِه ويجوز في جرّه وجهانأحدهما أن يكون عطفاً على { الساعة } في قولهوعنده علم الساعةِ } الزخرف 85 أي وعلمُ قيلِ الرسول يا ربّ، وهو على هذا وعد للرسول بالنصر وتهديد لهم بالانتقام.وثانيهما أنْ تكون الواو للقسم ويكون جواب القسم جملة { إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } على أن الله أقسم بقول الرسول يا ربّ، تعظيماً للرسول ولقيله الذي هو تفويض للرب وثقة به.

السابقالتالي
2