الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }

بعد أن أمعن في إبطال أن يكون إلـٰه غير الله بما سِيق من التفصيلات، جاء هنا بكلمة جامعة لإبطال زعمهم إلـٰهية غير الله بقوله { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } أي سألتهم سؤال تقرير عمن خلقهم فإنهم يُقرّون بأن الله خلقهم، وهذا معلوم من حال المشركين كقول ضِمام بن ثعلبة للنبي صلى الله عليه وسلم «أسألك بربّك وربّ من قبلك آلله أرسلك»، ولأجل ذلك أُكِّد إنهم يقرون لله بأنه الخالق فقال { ليقولن الله } ، وذلك كافٍ في سفاهة رأيهم إذ كيف يكون إلـٰهاً من لم يخلق، قال تعالىأفمن يخلق كمَن لا يخلق أفلا تذكرون } النحل 17.والخطاب في قوله { سألتهم } للنبي صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون لغير معيّن، أي إن سألهم من يتأتى منه أن يسأل. وفرع على هذا التقرير والإقرار الإنكارُ والتعجيبُ من انصرافهم من عبادة الله إلى عبادة آلهة أخرى بقوله { فأنىٰ يؤفكون }.وأنّى اسم استفهام عن المكان فمحله نصب على الظرفية، أي إلى أيِّ مكان يصرفون. و { يؤفكون } يُصْرَفون يقال أفكَه عن كذا، يأفِكه من بابْ ضَرب، إذا صرفه عنه، وبُني للمجهول إذ لم يصرفهم صارف ولكن صرفوا أنفسهم عن عبادة خالقهم، فقوله { فأنىٰ يؤفكون } هو كقول العرب أين يُذهَب بك، أي أين تذهب بنفسك إذ لا يريدون أن ذاهباً ذهب به يسألونه عنه ولكن المراد أنه لم يذهب به أحد وإنما ذهب بنفسه.