الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

عطف علىسبحان ربّ السماوات والأرض } الزخرف 82، قصد منه إتباع إنشاء التنزيه بإنشاء الثناء والتمجيد.و { تبارك } خبر مستعمل في إنشاء المدح لأن معنى { تبارك } كان متصفاً بالبَركة اتصافاً قوياً لما يدل عليه صيغة تفَاعَل من قوة حصول المشتق منه لأن أصلها أن تدل على صدور فعل من فاعلين مثل تقاتل وتمارى، فاستعملت في مجرد تكرر الفعل، وذلك مثل تسامى وتعالى.والبركَة الزيادة في الخير.وقد ذكر مع التنزيه أنه رب السماوات والأرض لاقتضاء الربوبية التنزيهَ عن الولد المسوق الكلام لنفيه، وعن الشريك المشمول لقولهعما يصفون } الزخرف 82، وذُكر مع التبريك والتعظيم أن له مُلك السماوات والأرض لمناسبة الملك للعظمة وفيْضِ الخير، فلا يَرِيبك أنَّربِّ السماوات والأرض } الزخرف 82 مغنٍ عن { الذي له مُلك السماوات والأرض } ، لأن غرض القرآن التذكير وأغراضُ التذكير تخالف أغراض الاستدلال والجدل، فإن التذكير يلائم التنبيه على مختلف الصفات باختلاف الاعتبارات والتعرض للاستمداد من الفضل. ثم إنّ صيغة { تبارك } تدل على أن البركة ذاتية لله تعالى فيقتضي استغناءه عن الزيادة باتخَاذِ الولد واتخاذِ الشريك، فبهذا الاعتبار كانت هذه الجملة استدلالاً آخر تابعاً لدليل قولهسبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون } الزخرف 82.وقد تأكد انفراده بربوبية أعظم الموجودات ثلاث مرات بقولهرب العرش } الزخرف 82 وقولهوهو الذي في السماء إلٰه وفي الأرض إلٰه } الزخرف 84 وقوله { الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما }.فكم من خصائص ونكت تنهالُ على المتدبر من آيات القرآن التي لا يحيط بها إلا الحكيم العليم.ولما كان قوله { الذي له ملك السماوات والأرض } مفيداً التصرف في هذه العوالم مدة وجودها ووجودِ ما بينها أردفه بقوله { وعنده علم الساعة وإليه ترجعون } للدلالة على أن له مع ملك العوالم الفانية مُلك العوالم الباقية، وأنه المتصرف في تلك العوالم بما فيها بالتنعيم والتعذيب، فكان قوله { وعنده علم الساعة } توطئة لقوله { وإليه ترجعون } وإدماجاً لإثبات البعث. وتقديم المجرور في { إليه ترجعون } لقصد التقوّي إذ ليس المخاطبون بمثبتين رُجْعَى إلى غيره فإنهم لا يؤمنون بالبعث أصلاً.وأما قولهم للأصنامهؤلاء شفعاؤنا عند الله } يونس 18 فمرادهم أنهم شفعاء لهم في الدنيا أو هو على سبيل الجدل ولذلك أتبع بقولهولا يملك الذين يَدْعُون من دونه الشفاعة } الزخرف 86.وقرأ الجمهور { ترجعون } بالفوقية على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمباشرة بالتهديد. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالتحتية تبعاً لأسلوب الضمائر التي قبله، وهم متفقون على أنه مبني للمجهول.