الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }

لهذه الجملة موقعانأحدهما إتمام التفصيل لما أجمله الوعيد الذي في قوله تعالىفويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم } الزخرف 65 عقب تفصيل بعضه بقولههل ينظرون إلا الساعة } الزخرف 66 الخ. وبقولهالأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوٌ } الزخرف 67 حيث قطع إتمام تفصيله بالاعتناء بذكر وعد المؤمنين المتقين فهي في هذا الموقع بيان لجملة الوعيد وتفصيل لإجمالها.الموقع الثاني أنها كالاستئناف البياني يثيره ما يُسمع من وصف أحوال المؤمنين المتقين من التساؤل كيف يكون حال أضدادهم المشركين الظالمين.والموقعان سواء في كون الجملة لا محلّ لها من الإعراب.وافتتاح الخبر بــ { إنّ } للاهتمام به، أو لتنزيل السائل المتلهفِ للخبر منزلة المتردّد في مضمونه لشدة شوقه إليه، أو نظراً إلى ما في الخبر من التعريض بإسماعه المشركين وهم ينكرون مَضْمُونَهُ فكأنه قيل إنكم أيها المجرمون في عذاب جهنم خالدون.والمجرمون الذين يفعلون الإجرام، وهو الذنب العظيم. والمراد بهم هنا المشركون المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم لأن السياق لهم، ولأن الجملة بيان لإجمال وعيدهم في قولهفويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم } الزخرف 65، ولأن جواب الملائكة نداءهم بقولهملقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون } الزخرف 78 لا ينطبق على غير المكذبين، أي كارهون للإسلام والقرآن، فذكر المجرمين إظهار في مقام الإضمار للتنبيه على أن شركهم إجرام.وجملة { لا يفتر عنهم } في موضع الحال من { عذاب جهنم } و { يفتر } مضاعف فَتَر، إذا سكن، وهو بالتضعيف يتعدّى إلى مفعول. والمعنى لا يفتِّره أحد.وجملة { وهم فيه مبلسون } عطف على جملة { إنّ المجرمين في عذاب جهنم خالدون }.والإبلاس اليأس والذل، وتقدم في سورة الأنعام وزاد الزمخشري في معنى الإبلاس قيد السكوت ولم يذكره غيره، والحق أن السكوت من لوازم معنى الإبلاس وليس قيداً في المعنى.