الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ }

استئناف يفيد أمرينأحدهما بيان بعض الأهوال التي أشار إليها إجمال التهديد في قولهفويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم } الزخرف 65.وثانيهما موعظة المشركين بما يحصل يوم القيامة من الأهوال لأمثالهم والحَبرة للمؤمنين. وقد أوثر بالذكر هنا من الأهوال ما له مزيد تناسب لحال المشركين في تألبهم على مناواة الرّسول صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، فإنهم ما ألَّبَهم إلا تناصرهم وتوادّهم في الكفر والتباهي بذلك بينهم في نواديهم وأسمارهم، قال تعالى حكاية عن إبراهيموقال إنّما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودةَ بينكم في الحياة الدنيا ثم يومَ القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً } العنكبوت 25 وتلك شنشنة أهل الشرك من قبل.وفي معنى هذه الآية قوله المتقدم آنفاًحتى إذا جَآءَنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين } الزخرف 38.و { الأخلاء } جمع خليل، وهو الصاحب الملازم، قيل إنه مشتق من التخلل لأنه كالمتخلّل لصاحبه والممتزج به، وتقدم في قولهواتّخذ الله إبراهيم خليلاً } في سورة النساء 125. والمضاف إليه إذْ من قوله { يومئذٍ } هو المعوَّضُ عنه التنوين دلّ عليه المذكور قبله في قولهمن عذاب يوم أليم } الزخرف 65.والعدوّ المبغض، ووزنه فَعول بمعنى فاعل، أي عَادٍ، ولذلك استوى جريانه على الواحد وغيره، وَالمُذكر وغيره، وتقدم عند قوله تعالىفإن كان من قومٍ عدوّ لكم } في سورة النساء 92.وتعريف الأخلاء } تعريف الجنس وهو مفيد استغراقاً عرفياً، أي الأخلاّء من فريقي المشركين والمؤمنين أو الأخلاء من قريش المتحدّث عنهم، وإلاّ فإن من الأخلاء غير المؤمنين من لا عداوة بينهم يومَ القيامة وهم الذين لم يستخدموا خلتهم في إغراء بعضهم بعضاً على الشرك والكفر والمعاصي وإن افترقوا في المنازل والدرجات يوم القيامة.و { يومئذ } ظرف متعلق بعدوّ، وجملة { يا عبادي } مقولة لقول محذوف دلت عليه صيغة الخطاب، أي نقول لهم أو يقول الله لهم. وقرأ الجمهور { يا عبادي } بإثبات الياء على الأصل. وقرأه حفص والكسائي بحذف ياء المتكلم تخفيفاً. قال ابن عطية قال أبو علي وحذفها حسن لأنها في مَوْضِعِ تنوين وهي قد عاقبته فكما يحذف التنوين في الاسم المفرد المنادَى كذلك تحذف اليَاء هنا.ومفاتحة خطابهم بنفي الخوف عنهم تأنيس لهم، ومنة بإنجائهم من مثله وتذكيرٌ لهم بسبب مخالفة حالهم لِحال أهل الضلالة فإنهم يشاهدون ما يعامل به أهل الضلالة والفساد.و { لا خوف } مرفوع منون في جميع القراءات المشهورة، وإنما لم يفتح لأن الفتح على تضمين مِن الزائدة المؤكدة للعموم وإذ قد كان التأكيد مفيداً التنصيص على عدم إرادة نفي الواحد، وكان المقام غير مقام التردد في نفي جنس الخوف عنهم لأنه لم يكن واقعاً بهم حينئذٍ مع وقوعه على غيرهم، فأمارة نجاتهم منه واضحة، لم يحتج إلى نصب اسم { لا } ، ونظيره قول الرابعة من نساء حديث أمّ زرع " زوجِي كَلَيْل تِهامهْ، لا حَرٌّ ولا قُرٌّ ولا مخافةٌ ولا سآمهْ ".

السابقالتالي
2 3