الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }

عطف قصة من أقاصيص كفرهم وعنادهم على ما مضى من حكاية أقاويلهم، جرت في مجادلة منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا تصدير وتمهيد بين يدي قولهولما جاء عيسى بالبينات } الزخرف 63 الآيات الذي هو المقصود من عطف هذا الكلام على ذكر رسالة موسى عليه السلام.واقتران الكلام بــ { لما } المفيدةِ وجودَ جوابها عند وجودِ شرطها، أو توقيتَه، يَقْتَضِي أن مضمون شرط { لمّا } معلوم الحصول ومعلوم الزمان فهو إشارة إلى حديث جرى بسبب مثَل ضربه ضارب لحال من أحوال عيسى، على أن قولهم { أألهتنا خير أم هو } يحتمل أن يكون جرى في أثناء المجادلة في شأن عيسى، ويحتمل أن يكون مجردَ حكاية شبهة أخرى من شُبه عقائدهم، ففي هذه الآية إجمال يبينه ما يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من جدَل جرى مع المشركين، ويزيده بياناً قولهإن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل } الزخرف 59 وهذه الآية من أخفى آي القرآن معنى مراداً.وقد اختلف أهل التفسير في سبب نزول هذه الآية وما يبين إجمالها على ثلاثة أقوال ذكرها في «الكشاف» وزاد من عنده احتمالاً رابعاً. وأظهر الأقوال ما ذكره ابن عطية عن ابن عباس وما ذكره في «الكشاف» وجهاً ثانياً ووجهاً ثالثاً أن المشركين لما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم بيانإنَّ مثل عيسى عند الله كمثلَ آدم } آل عمران 59 وليس خلقه من دون أب بأعجب من خلق آدم من دون أب ولا أم أو ذلك قبل أن تنزل سورة آل عمران لأن تلك السورة مدنية وسورة الزخرف مكية قالوا نحن أهدى من النصارى لأنهم عبدوا آدمياً ونحن عبدنا الملائكة أي يدفعون ما سفههم به النبي صلى الله عليه وسلم بأن حقه أن يسفه النصارى فنزل قوله تعالى { ولما ضرب ابن مريم مثلاً } الآية ولعلهم قالوا ذلك عَن تجاهل بما جاء في القرآن من ردّ على النصارى.والذي جرى عليه أكثر المفسرين أن سبب نزولها الإشارة إلى ما تقدم في سورة الأنبياء 98 عند قوله تعالىإنكم وما تعبدون من دون الله حصبُ جهنم } إذ " قال عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه للنبي صلى الله عليه وسلم " أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم» " ، قال «خَصَمْتُك ورب الكعبة ألست تزعم أن عيسى ابنَ مريم نبي وقد عبدته النصارى فإن كان عيسى في النّار فقد رَضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه» ففرح بكلامه من حَضر من المشركين وضجّ أهل مكة بذلك فأنزل الله تعالىإن الذين سبقت لهم مِنّا الحُسنى أولئك عنها مُبعَدون }

السابقالتالي
2 3