الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }

جملة معطوفة على جملةله ما في السمٰوات وما في الأرض } الشورى 4 بعد أن أفيد ما هو كالحجة على أن لله ما في السماوات وما في الأرض من قولهوهو العليُ العظيم تكاد السمٰوات } الشورى 4، 5 الآيتين. فالمعنى قد نهضت حجة انفراده تعالى بالعزة والحكمة والعلوّ والعظمة وعلمها المؤمنون فاستغفرْت لهم الملائكة. وأما الذين لم يبصروا تلك الحجة وعميت عليهم الأدلة فلا تَهْتَمَّ بشأنهم فإن الله حَسْبُهم وما أنت عليهم بوكيل. فهذا تسكين لحزن الرّسول صلى الله عليه وسلم من أجل عدم إيمانهم بوحدانية الله تعالى.وهذه مقدّمة لما سيأمر به الرّسول صلى الله عليه وسلم من الدعوة ابتداء من قولهوكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى } الشورى 7 الآية، ثم قولهشَرع لكم من الدّين ما وصَّى به نوحاً } الشورى 13 الآيات، ثم قولهفلذلك فادع واستقم } الشورى 15، وقولهقل لا أسألُكم عليه أجراً } الشورى 23 الآية.وقوله { الذين اتخذوا من دونه أولياء } مبتدأ وجملة { الله حفيظ عليهم } خبر عن { الذين اتخذوا من دونه أولياء }.والحفيظ فعيل بمعنَى فاعل، أي حافظ، وتختلف معانيه ومرجعها إلى رعاية الشيء والعناية به ويكثر أن يستعمل كناية عن مراقبة أحوال المرقوب وأعماله، وباختلاف معانيه تختلف تعديته بنفسه أو بحرف جرّ يناسب المعنى، وقد عُدّي هنا بحرف على كما يُعدّى الوكيل لأنه بمعناه.والوكيل فعيل بمعنى مفعول وهو الموكولُ إليه عملٌ في شيء أو اقتضاءُ حق. يقال وكله على كذا، ومنه الوكالة في التصرفات المالية والمخاصمة، ويكثر أن يستعمل كناية عن مراقبة أحوال الموكّل عليه وأعماله. وقد استعمل { حفيظ } ووكيل هنا في استعمالهما الكنائي عن مُتقارب المعنى فلذلك قد يفسر أهل اللّغة أحد هذين اللفظين بما يقرب من تفسير اللّفظ الآخر كتفسير المرادف بمرادفه، وذلك تسامحٌ. فعلَى من يريد التفرقة بين اللّفظين أن يرجع بهما إلى أصل مادتي حَفِظ ووكَل، فمادة حفظ تقتضي قيام الحدث بفاعل وتعديته إلى مفعول، ومادة وكَل تقتضي قيام الحدث بفاعل وتعديته إلى مفعول وتجاوزه من ذلك المفعول إلى شيء آخر هو متعلق به، وبذلك كان فعل حفظ مفيداً بمجرد ذكر فاعله ومفعوله دون احتياج إلى متعلَّق آخر، بخلاف فعل وَكَلَ فإفادته متوقفة على ذكرِ أو على تقديرِ ما يدل على شيء آخر زائد على المفعول ومن علائقه، فلذلك أوثر وصف { حفيظ } هنا بالإسناد إلى اسم الجلالة لأن الله جلّ عن أن يكلفه غيره حفظ شيء فهو فاعل الحفظ، وأوثر وصف وكيل بالإسناد إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم لأن المقصود أن الله لم يكلفه بأكثر من التبليغ، والمعنى الله رقيب عليهم لا أنتَ وما أنت بموكل من الله على جبرهم على الإيمان.

السابقالتالي
2 3