الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ }

بعد أن قُطع خطابهم عقب قولهفما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا } الشورى 36 بما تخلّص به إلى الثناء على فِرَق المؤمنين، وما استتبع ذلك من التسجيل على المشركين بالضلالة والعذاب، ووصفِ حالهم الفظيع، عاد الكلام إلى خطابهم بالدعوة الجامعة لما تقدم طلباً لتدارك أمرهم قبل الفوات، فاستؤنف الكلام استئنافاً فيه معنى النتيجة للمواعظ المتقدمة لأن ما تقدم من الزواجر يهيّـىء بعض النفوس لقبول دعوة الإسلام.والاستجابة إجابة الداعي، والسين والتاء للتوكيد. وأطلقت الاستجابة على امتثال ما يطالبهم به النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً عن الله تعالى على طريقة المجاز لأن استجابة النداء تستلزم الامتثال للمنادي فقد كثر إطلاقها على إجابة المستنجد. والمعنى أطيعوا ربكم وامتثلوا أمره من قبل أن يأتي يوم العذاب وهو يوم القيامة لأن الحديث جارٍ عليه.واللام في { لربكم } لِتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول مثل حمِدتُ له وشكرتُ له. وتسمى لام التبليغ ولام التبيين. وأصله استجابهُ، قال كعب الغَنَوي
وداعٍ دعَا يَا مَن يجيب إلى النِّدا فلم يستجبْه عند ذاك مجيب   
ولعل أصله استجاب دعاءه له، أي لأجله له كما في قوله تعالىألم نشرح لك صدرك } الشرح 1 فاختصر لكثرة الاستعمال فقالوا استجاب له وشكر له، وتقدم في قولهفليستجيبوا لي } في سورة البقرة 186.والمردّ مصدر بمعنى الرد، وتقدم آنفاً في قولههل إلى مَردّ من سبيل } الشورى 44. { وَلا مَرد له } صفة { يوم }. والمعنى لا مرد لإثباته بل هو واقع، و { لَه } خبرُ { لا } النافية، أي لا مرد كائناً له، ولام { له } للاختصاص.و { مِن } في قوله { من الله } ابتدائية وهو ابتداء مجازي، ومعناه حكمُ الله به فكأنَّ اليوم جاء من لدنه.ويجوز تعليق المجرور بفعل { يأتي }. ويجوز أن يتعلق بالكون الذي في خبر { لا }. والتقدير على هذا لا مرد كائناً من الله له وليس متعلقاً بــ { مرد } على أنه متمم معناه، إذ لو كان كذلك كان اسم { لا } شبيهاً بالمضاف فكان منوّناً ولم يكن مبنياً على الفتح، وما وقع في «الكشاف» مما يوهم هذا مؤوّل بما سمعتَ، ولذلك سمّاه صلة، ولم يسمه متعلقاً.وجملة { ما لكم من ملجإٍ يومئذٍ } مستأنفة. والملجأ مكان اللجأ، واللجأ المصير والانحياز إلى الشيء، فالملجأ المكان الذي يصير إليه المرء للتوقّي فيه، ويطلق مجازاً على الناصر، وهو المراد هنا، أي ما لكم من شيء يقيكم من العذاب.والنكير اسم مصدر أنكر، أي ما لكم إنكار لما جُوزيتم به، أي لا يسعكم إلاّ الاعتراف دون تنصل.