الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

الفاء للتفريع على قولهشرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً } الشورى 13 إلى آخره، المفسر بقولهأن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } الشورى 13 المخلل بعضه بجمل معترضة من قولهكبر على المشركين } الشورى 13 إلىمن ينيب } الشورى 13.واللام يجوز أن تكون للتعليل وتكونَ الإشارة بذلك إلى المذكور، أي جميع ما تقدم من الأمر بإقامة الدّين والنهي عن التفرق فيه وتلقي المشركين للدعوة بالتجهم وتلقي المؤمنين لها بالقبول والإنابة، وتلقي أهل الكتاب لها بالشك، أي فلأجل جميع ما ذكر فادعُ واستقِم، أي لأجل جميع ما تقدم من حصول الاهتداء لمن هداهم الله ومن تبرم المشركين ومن شك أهل الكتاب فادْع.ولم يذكر مفعول ادْع لدلالة ما تقدم عليه، أي ادع المشركين والذين أوتوا الكتاب والذين اهتدوا وأنابوا. وتقديم لذلك على متعلقه وهو فعل ادع للاهتمام بما احتوى عليه اسم الإشارة إذ هو مجموع أسباب للأمر بالدوام على الدعوة. ويجوز أن تكون اللام في قوله { فلذلك } لامَ التقوية وتكون مع مجرورها مفعول ادعُ. والإشارة إلى { الدّين } من قولهشرع لكم من الدين } الشورى 13 أي فادع لذلك الدّين.وتقديم المجرور على متعلَّقه للاهتمام بالدّين.وفعل الأمر في قوله { فادع } مستعمل في الدّوام على الدّعوة كقولهيا أيها الذّين آمنوا آمنوا بالله ورسوله } النساء 136، بقرينة قوله { كما أُمرت } ، وفي هذا إبطال لشبهتهم في الجهة الثالثة المتقدمة عند قوله تعالىكَبُر على المشركين ما تدعوهم إليه } الشورى 13.والفاء في قوله { فادع } يجوز أن تكون مؤكدة لفاء التفريع التي قبلها، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الجزاء لما في تقديم المجرور من مشابهة معنى الشرط كما في قوله تعالىفبذلك فليفرحوا } يونس 58.والاستقامة الاعتدال، والسين والتاء فيها للمبالغة مثل أجاب واستجاب. والمراد هنا الاعتدال المجازي وهو اعتدال الأمور النفسانية من التقوى ومكارم الأخلاق، وإنّما أُمر بالاستقامة، أي الدوام عليها، للإشارة إلى أن كمال الدعوة إلى الحق لا يحصل إلا إذا كان الداعي مستقيماً في نفسه.والكاف في { كما أمرت } لتشبيه معنى المماثلة، أي دعوة واستقامة مثل الذي أمرت به، أي على وفاقه، أي وافية بما أمرت به. وهذه الكاف مما يسمى كاف التعليل كقوله تعالىواذكروه كما هداكم } البقرة 198، وليس التعليل من معاني الكاف في التحقيق ولكنه حاصلُ معنًى يعرض في استعمال الكاف إذا أريد تشبيه عاملها بمدخولها على معنى المطابقة والموافقة.والاتِّباع يطلق مجازاً على المجاراة والموافقة، وعلى المحاكاة والمماثلة في العمل، والمراد هنا كِلا الإطلاقين ليرجع النهي إلى النهي عن مخالفة الأمرين المأمور بهما في قوله { فادع واستقم }.وضمير { أهواءهم } للذين ذكروا من قبل من المشركين والذين أوتوا الكتاب، والمقصود نهي المسلمين عن ذلك من بابلَئن أشركتَ ليحبَطَنَّ عَمَلُك } الزمر 65 ألا ترى إلى قولهفاستقم كما أمرت ومن تاب معك }

السابقالتالي
2 3 4