الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }

{ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ }.عطف على جملةولا تتفرقوا فيه } الشورى 13 وما بينهما اعتراض كما علمت، وفي الكلام حذف يدل عليه قوله { وما تفرقوا } تقديره فتفرقوا. وضمير { تفرقوا } عائد إلى ما عاد إليه ضميرأن أقيموا الدّين ولا تتفرقوا } الشورى 13 وهم أمم الرّسل المذكورين، أي أوصيناهم بواسطة رسلهم بأن يقيموا الدّين. دلّ على تقديره ما في فعلوصَّى } الشورى 13 من معنى التبليغ كما تقدم.والعلم إدراك العقل جزماً أو ظنّاً. ومجيء العِلم إليهم يؤذن بأن رسلهم بيّنوا لهم مضارّ التفرق من عهد نوح كما حكى الله عنه في قولهثم إنّي دعوتُهم جِهاراً ثم إنِيَ أعلنتُ لهم وأسررت لهم إسراراً } نوح 8 - 9 إلى قولهسُبُلاً فِجَاجاً } في سورة نوح 20. وإنما تلقَّى ذلك العِلمَ علماؤهم.ويجوز أن يكون المراد بالعلم سببَ العلم، أي إلاّ من بعد مجيء النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته الموافقة لما في كِتابهم فتفرقوا في اختلاق المطاعن والمعاذير الباطلة لينفوا مطابقة الصفات، فيكون كقوله تعالىوما تَفرّق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البيَّنة } البينة 4 على أحد تفسيرين.والمعنى وما تفرقت أممهم في أديانهم إلا من بعد ما جاءهم العلم على لسان رسلهم من النهي عن التفرق في الدّين مع بيانهم لهم مفاسد التفرق وأضراره، أي أنهم تفرقوا عالمين بمفاسد التفرق غير معذورين بالجهل. وهذا كقوله تعالىوما تفرّق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البيّنة } البينة 4 على التفسير الآخر.وذُكر سبب تفرقهم بقوله { بغياً بينهم } أي تفرّقوا لأجل العداوة بينهم، أي بين المتفرقين، أي لم يحافظوا على وصَايَا الرّسل. وهذا تعريض بالمشركين في إعراضهم عن دعوة الإسلام لعداوتهم للمؤمنين. وقولُه { ولولا كلمة سبقت من ربك } الخ تحذير للمؤمنين من مثل ذلك الاختلاف. وتنكير { كلمة } للتنويع لأن لكل فريق من المتفرقين في الدّين كلمة من الله في تأجيلهم فهو على حدّ قوله تعالىوعلى أبصارهم غشاوة } البقرة 7. وتنكير { أجل } أيضاً للتنويع لأن لكل أمة من المتفرقين أجلاً مسمى، فهي آجال متفاوتة في الطّول والقصر ومختلفة بالأزمنة والأمكنة.والمراد بالكلمة ما أراده الله من إمهالهم وتأخير مؤاخذتهم إلى أجل لهم اقتضته حكمتُه في نظام هذا العالم، فربّما أخرهم ثم عذّبهم في الدنيا، وربّما أخرهم إلى عذاب الآخرة، وكل ذلك يدخل في الأجل المسمّى، ولكل ذلك كلمته. فالكلمة هنا مستعارة للإرادة والتقدير. وسبقها تقدمها من قَبل وقت تفرقهم وذلك سبْق علم الله بها وإرادته إيّاها على وقف علمه وقدره، وقد تقدم نظير هذه الكلمة في سورة هود وفي سورة طه. { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }.

السابقالتالي
2 3