الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }

{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ }.بعد أن قَرَعتهم الحجة التي لا تترك للشك مسرباً إلى النفوس بعدها في أَن الله منفرد بالإِلهية لأنه منفرد بإيجاد العوالم كلها. وكان ثبوت الوحدانية من شأنه أن يزيل الريبة في أن القرآن منزَّل من عند الله لأنهم ما كفروا به إلا لأجل إعلانه بنفي الشريك عن الله تعالى، فلما استبان ذلك كان الشأن أن يفيئوا إلى تصديق الرسول والإِيمانِ بالقرآن، وأن يقلعوا عن إعراضهم المحكي عنهم بقوله في أول السورةفأعرض أكْثَرُهُم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ } فصلت 4 الخ، فلذلك جعل استمرارهم على الإِعراض بعد تلك الحجج أمراً مفروضاً كما يُفْرَض المُحال، فجيء في جانبه بحرف إنْ الذي الأصل فيه أن يقع في الموقع الذي لا جزم فيه بحصول الشرط كقوله تعالىأفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين } الزخرف 5 في قراءة من قرأ بكسر همزة إنْ.فمعنى { فَإنْ أعْرَضُوا } إن استمروا على إعراضهم بعد ما هديتهم بالدلائل البينة وكابروا فيها، فالفعل مستعمل في معنى الاستمرار كقولهياأيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله } النساء 136.والإِنذار التخويف، وهو هنا تخويف بتوقع عقاب مثل عقاب الذين شابهوهم في الإِعراض خشيةَ أن يحلّ بهم ما حل بأولئك، بناء على أن المعروف أن تجري أفعال الله على سَنن واحد، وليس هو وعيداً لأن قريشاً لم تصبهم صاعقة مثلُ صاعقة عاد وثمود، وإن كانوا قد ساوَوْهما في التكذيب والإِعراض عن الرسل وفي التعللات التي تعللوا بها من قولهمولو شاء الله لأنزل ملائكة } المؤمنون 24 وأمهل الله قريشاً حتى آمن كثير منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص.وحقيقة الصاعقة نار تخرج مع البرق تُحرق ما تصيبه، وتقدم ذكرها في قوله تعالىيجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } في سورة البقرة 19. وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاكِ، ولما أضيفت صاعقة هنا إلى عادٍ وثمود، وعادٌ لم تهلكهم الصاعقة وإنما أهلكهم الريح وثمودُ أهلكوا بالصاعقة فقد استُعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه، أو هو من عموم المجاوز والمقتضي لذلك على الاعتبارين قصدَ الإِيجاز، وليقع الإِجمَال ثم التفصيل بعد بقولهفأمَّا عَادٌ } فصلت 15 إلى قولهبما كانوا يكسبون } فصلت 17.و { إذ } ظرف للماضي، والمعنى مثل صاعقتهم حين جاءتهم الرسل إلى آخر الآيات. روى ابن إسحاق في سيرته أن عتبةَ بن ربيعة كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلافِ قومه فتلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلمحم تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم } فصلت 1 حتى بلغفَقُلْ أنذَرْتُكُمْ صٰعِقَةً } فصلت 13 الآية، فأمسَكَ عتبةُ على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال له " ناشدتُك الله والرحم "

السابقالتالي
2 3