الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ إِن فِى صُدُورِهِمْ إلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبلِغِهِ }.جرى الكلام من أول السورة إلى هنا في مَيدان الرد على مجادلة المشركين في آيات الله ودَحض شُبههم وتوعدهم على كفرهم وضرب الأمثال لهم بأمثالهم من أهل العناد ابتداء من قولهما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } غافر 4 وقولهأولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم } غافر 21، كما ذُكرت أمثال أضدادهم من أهل الإِيمان من حَضَر منهم ومَن غَبَرَ من قولهولقد أرسلنا موسى بآيٰتنا وسلطان مبين إلى فرعون } هود 96، 97 ثم قولهوقال رجل مؤمن من ءال فرعون } غافر 28، وخُتم ذلك بوعد النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالنصر كما نُصر النبيون من قبله والذين آمنوا بهم، وأُمر بالصبر على عناد قومه والتوجه إلى عبادة ربه، فكان ذكر الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان عقب ذلك من باب المثل المشهور «الشيء بالشيء يُذكر».وبهذه المناسبة انتقل هنا إلى كشف ما تكنه صدور المجادلين من أسباب جدالهم بغير حق، ليَعلم الرسول صلى الله عليه وسلم دخيلتهم فلا يحسب أنهم يكذبونه تنقصاً له ولا تجويزاً للكذب عليه، ولكن الذي يدفعهم إلى التكذيب هو التكبر عن أن يكونوا تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم ووراء الذين سبقوهم بالإِيمان ممن كانوا لا يعبَأون بهم. وهذا نحو قوله تعالىقد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } الأنعام 33.فقوله { إنَّ الذينَ يُجادلُونَ في ءايٰتِ الله } الآية استئناف ابتدائي وهو كالتكرير لِجملةالذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله } غافر 35 تكرير تعداد للتوبيخ عند تنهية غرض الاستدلال كما يوقَّف الموبخ المرة بعد المرة. و { الذِينَ يُجٰدِلُونَ } هم مشركو أهل مكة وهم المخبَر عنهم في قوله أولَ السورةما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } غافر 4. ومعنى المجادلة في آيات الله تقدم هنالك.ويتعلق قوله { بِغَيْرِ سُلْطٰنٍ } بــــ { يجادلون }. والباء للمصاحبة، أي مصاحب لهم غير سلطان، أي غير حجة، أي أنهم يجادلون مجادلة عناد وغصْب.وفائدة هذا القيد تشنيع مجادلتهم وإلا فإن المجادلة في آيات الله لا تكون إلا بغير سلطان لأن آيات الله لا تكون مخالفة للواقع فهذا القيد نظير القيد في قولهومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } القصص 50، وكذلك وصف { سلطان } بجملة { أتاهم } لزيادة تفظيع مجادلتهم بأنها عرية عن حجة لديهم فهم يجادلون بما ليس لهم به علم، وتقدم نظير أول هذه الآية في أثناء قصة موسى وفرعون في هذه السورة.

السابقالتالي
2 3