الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

استئناف ابتدائي خوطب به المؤمنون، استقصاء للتحذير من قتل المؤمن بذكر أحوالٍ قد يُتساهَل فيها وتعرِض فيها شبهٌ. والمناسبة ما رواه البخاري، عن ابن عبّاس، قال " كان رجل في غُنَيْمَة له فلَحقِه المسلمون، فقال السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غُنَيْمَتُه، فأنزل الله في ذلك هذه الآية. وفي رواية وقال لا إلٰه إلاّ الله محمد رسول الله. وفي رواية أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حمل ديته إلى أهله وردّ غُنَيْمتَه واختلف في اسم القاتل والمقتول، بعد الاتّفاق على أنّ ذلك كان في سريّة، فروى ابن القاسم، عن مالك أنّ القاتل أسَامة بن زيد، والمقتول مِرْدَاس بن نَهِيك الفَزَاري من أهل فَدَكَ، وفي سيرة ابن إسحاق أنّ القاتل مُحلَّم من جَثامة، والمقتول عامر بن الأضْبط. وقيل القاتل أبو قتادة، وقيل أبو الدرداء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وبّخ القاتل، وقال له «فَهَلاّ شققت عن بَطْنه فعلمتَ ما في قلبه» " ومخاطبتهم بــــ { أيها الذين آمنوا } تلوّح إلى أنّ الباعث على قتل من أظهر الإسلام منهي عنه، ولو كان قصْد القاتل الحرصَ على تحقَّق أنّ وصف الإيمان ثابت للمقتول، فإنّ هذا التحقّق غيرُ مراد للشريعة، وقد ناطت صفة الإسلام بقول «لا إلٰه إلاّ الله محمد رسول الله» أو بتحية الإسلام وهي «السلام عليكم». والضرب السير، وتقدّم عند قوله تعالىوقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض } في سورة آل عمران 156. وقوله في سبيل الله ظرف مستقرٌ هو حال من ضمير { ضربتم } وليس متعلّقاً بــــ «ضربتم» لأنّ الضرب أي السيّر لا يكون على سبيل الله إذ سبيل الله لقب للغزو، ألا ترى قوله تعالى { وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزىًّ } الآية. والتبيّن شدّة طلب البيان، أي التأمّل القويّ، حسبما تقتضيه صيغة التفعّل. ودخول الفاء على فِعل «تبيّنوا» لما في إذا من تضمّن معنى الاشتراط غالباً. وقرأ الجمهور { فتبيّنوا } ــــ بفوقية ثم موحّدة ثم تحتيّة ثم نون ــــ من التبيّن وهو تفعّل، أي تثبّتوا واطلبوا بيان الأمور فلا تعجلوا فتتّبعوا الخواطر الخاطفة الخاطئة. وقرأه حمزة، والكسائي، وخَلف { فتثبّتوا } ــــ بفاء فوقية فمثلّثة فموحّدة ففوقيّة ــــ بمعنى اطلبوا الثابت، أي الذي لا يتبدّل ولا يحتمل نقيض ما بَدَا لَكم. وقوله { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لستَ مؤمناً } قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، وخلف «السَّلَم» ــــ بدون ألف بعد اللام ــــ وهو ضدّ الحرْب، ومعنى ألقى السلَم أظهره بينكم كأنّه رماه بينهم، وقرأ البقية «السَّلام» ــــ بالألف ــــ وهو مشترك بين معنى السلم ضدّ الحرب، ومعنى تحية الإسلام، فهي قول السلام عليكم، أي من خاطبَكم بتحية الإسلام علامةً على أنّه مسلم.

السابقالتالي
2