الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

يجوز أن يكون جملة { وابتلوا } معطوفة على جملةولا تؤتوا السفهاء أموالكم } النساء 5 لتنزيلها منها منزلة الغاية للنهي. فإن كان المراد من السفهاء هنالك خصوص اليتامى فيتّجه أن يقال لماذا عدل عن الضمير إلى الاسم الظاهر وعن الاسم الظاهر المساوي للأوّل إلى التعبير بآخر أخصّ وهو اليتامى، ويجاب بأنّ العدول عن الإضمار لزيادة الإيضاح والاهتمام بالحكم، وأنّ العدول عن إعادة لفظ السفهاء إيذان بأنّهم في حالة الابتلاء مرجو كمال عقولهم، ومتفاءل بزوال السفاهة عنهم، لئلاّ يلوح شبه تناقض بين وصفهم بالسفه وإيناس الرشد منهم، وإن كان المراد من السفهاء هنالك أعمّ من اليتامى، وهو الأظهر، فيتّجه أن يقال ما وجه تخصيص حكم الابتلاء والاستيناس باليتامى دون السفهاء؟ ويجاب بأنّ الإخبار لا يكون إلاّ عند الوقت الذي يرجى فيه تغيّر الحال، وهو مراهقة البلوغ، حين يرجى كمال العقل والتنقّل من حال الضعف إلى حال الرشد، أمّا من كان سفهه في حين الكبر فلا يعرف وقت هو مظنّة لانتقال حاله وابتلائه. ويجوز أن تكون جملة { وابتلوا } معطوفة على جملةوآتوا اليتامى أموالهم } النساء 2 لبيان كيفية الإيتاء ومقدّماته، وعليه فالإظهار في قوله { اليتامى } لبعد ما بين المعاد والضمير، لو عبّر بالضمير. والابتلاء الاختبار، وحتّى ابتدائية، وهي مفيدة للغاية، لأنّ إفادتها الغاية بالوضع، وكونَها ابتدائية أو جارّة استعمالاتٌ بحسب مدخولها، كما تقدّم عند قوله تعالىحتى إذا فشلتم } في سورة آل عمران152. وإذا ظرف مضمّن معنى الشرط، وجمهور النحاة على أنّ حتّى الداخلة على إذا ابتدائية لا جارّة. والمعنى ابتلوا اليتامى حتّى وقت إن بلغوا النكاح فادفعوا إليهم أموالهم وما بعد ذلك ينتهي عنده الابتلاء، وحيث علم أنّ الابتلاء لأجل تسليم المال فقد تقرّر أنّ مفهوم الغاية مراد منه لازمه وأثره، وهو تسليم الأموال. وسيصرّح بذلك في جواب الشرط الثاني. والابتلاء هنا هو اختبار تصرّف اليتيم في المال باتّفاق العلماء، قال المالكية يدفع لليتيم شيء من المال يمكنه التصرّف فيه من غير إجحاف، ويردّ النظر إليه في نفقة الدار شهراً كاملاً، وإن كانت بنتاً يفوّض إليها ما يفوّض لربّة المنزل، وضبط أموره، ومعرفة الجيّد من الرديء، ونحو ذلك، بحسب أحوال الأزمان والبيوت. وزاد بعض العلماء الاختبار في الدين، قاله الحسن، وقتادة، والشافعي. وينبغي أن يكون ذلك غير شرط إذ مقصد الشريعة هنا حفظ المال، وليس هذا الحكم من آثار كليّة حفظ الدين. وبلوغ النكاح على حذف مضاف، أي بلوغ وقت النكاح أي التزوّج، وهو كناية عن الخروج من حالة الصبا للذكر والأنثى، وللبلوغ علامات معروفة، عبّر عنها في الآية ببلوغ النكاح بناء على المتعارف عند العرب من التبكير بتزويج البنت عن البلوغ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8