الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

الجملة معطوفة على جملةولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } النساء 32 باعتبار كونه جامعاً لمعنى النهي عن الطمع في مال صاحب المال، قُصد منها استكمال تبيين من لهم حقّ في المال. وشأنُ كُلّ إذا حذف ما تضاف إليه أن يعوّض التنوين عن المحذوف، فإن جرى في الكلام ما يدلّ على المضاف إليه المحذوف قُدّر المحذوف من لفظه أو معناه، كما تقدم في قوله تعالىولكل وجهة } في سورة البقرة 148، وكذلك هنا فيجوز أن يكون المحذوف ممّا دلّ عليه قوله - قبله -للرجال نصيب وللنساء نصيب } النساء 7 فيقدّر ولكلّ الرجال والنساء جعلنا موالَي، أو لكلّ تارككٍ جعلنا موالي. ويجوز أن يقدّر ولكلّ أحد أو شيء جعلنا موالي. والجعل من قوله { جعلنا } هو الجعل التشريعي أي شَرعْنا لكلّ موالي لهم حقّ في ماله كما في قوله تعالىفقد جعلنا لوليه سلطانا } الإسراء 33. والموالي جمعُ مَولى وهو محلّ الوَلْيِ، أي القرب، وهو مَحلّ مجازي وقرب مجازي. والولاء اسم المصدر للوَلْي المجازي. وفي نظم الآية تقادير جديرة بالاعتبار، وجامعة لمعان من التشريع الأوّل ولِكلّ تاركٍ، أي تارك مالا جعلنا موالي، أي أهل ولاء له، أي قرب، أي ورثة. ويتعلّق { مما ترك } بما في موالي من معنى يَلُونه، أي يرثونه، ومِن للتبعيض، أي يرثون ممّا ترك. وما صدق ما الموصولة هو المال، والصلة قرينة على كون المراد بالموالي الميراث، وكون المضاف إليه كلّ هو الهالك أو التارك. { ولكل } متعلّق بــــ جعلنا، قدّم على متعلّقه للاهتمام. وقوله { الوالدان } استئناف بياني بيّن به المراد في موالي، ويصلح أن يبيّن به كلّ المقدّر له مضاف. تقديره لكلّ تارك. وتبيين كلا اللفظين سواءٌ في المعنى، لأنّ التارك والد أو قريب، والموالي والدون أو قرابة. وفي ذِكر { الوالدان } غنية عن ذكر الأبناء لتلازمهما، فإن كان الوالدان من الورثة فالهالك ولد وإلاّ فالهالك والد. والتعريف في { الوالدان والأقربون } عوض عن مضاف إليه أي والداهِم وأقربوهم، والمضاف إليه المحذوفُ يدلّ عليه الموالي، وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئاً عن قولهللرجال نصيب مما اكتسبوا } النساء 32، أي ولكلّ من الصنفين جعلنا موالي يرثونه، وهو الجَعل الذي في آيات المواريث. والتقدير الثاني ولكلّ شيء ممّا تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي، أي قوماً يلونه بالإرث، أي يرثونه، أي يكون تراثاً لهم، فيكون المضاف إليه المحذوف اسماً نكرة عامّا يبيّن نوعه المقام، ويكون { مما ترك } بيانا لما في تنوين كلّ من الإبهام، ويكون { والأقربون } فاعلا لتَرَك. وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئاً عن قولهما فضل الله به بعضكم على بعض } النساء 32 أي في الأموال، أي ولكلّ من الذين فضّلنا بعضهم على بعض جعلنا موالي يؤول إليهم المال، فلا تتمنّوا ما ليس لكم فيه حقّ في حياة أصحابه، ولا ما جعلناه للموالي بعد موت أصحابه.

السابقالتالي
2 3