الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

عطف قوله { ومن لم يستطع منكم طولاً } على قولهوأحل لكم ما وراء ذلكم } النساء 24 تخصيصاً لعمومه بغير الإماء، وتقييداً لإطلاقه باستطاعة الطَّول. والطَّول ــــ بفتح الطاء وسكون الواو ــــ القدرة، وهو مصدر طال المجازي بمعنى قدر، وذلك أنّ الطُّول يستلزم المقدرة على المناولة فلذلك يقولون تطاول لكذا، أي تمطَّى ليأخذه، ثم قالوا تطاول، بمعنى تكلّف المقدرة «وأين الثريا من يد المتطاول» فجعلوا لطال الحقيقي مصدراً ــــ بضم الطاء ــــ وجعلوا لطال المجازي مصدراً ــــ بفتح الطاء ــــ وهو ممّا فرّقت فيه العرب بين المعنيين المشتركين.والمحصنات } النساء 24 قرأه الجمهور ــــ بفتح الصاد ــــ وقرأه الكسائي ــــ بكسر الصاد ــــ على اختلاف معنيي أحصن كما تقدّم آنفاً، أي اللاَّتي أحصنّ أنفسهنّ، أو أحصنهنّ أولياؤهن، فالمراد العفيفات. والمحصنات هنا وصف خرج مخرج الغالب، لأنّ المسلم لا يقصد إلاّ إلى نكاح امرأة عفيفة، قال تعالىوالزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } النور 30 أي بحسب خلق الإسلام، وقد قيل إنّ الإحصان يطلق على الحرية، وأنّ المراد بالمحصنات الحرائر، ولا داعي إليه، واللغة لا تساعد عليه. وظاهر الآية أنّ الطوْل هنا هو القدرة على بذل مهر لامرأة حرّة احتاج لتزوّجها أولى، أو ثانية، أو ثالثةً، أو رابعة، لأنّ الله ذكر عدم استطاعة الطوْل في مقابلة قولهأن تبتغوا بأموالكم } النساء 24فأتوهن أجورهن فريضة } النساء 24 ولذلك كان هذا الأصحّ في تفسير الطوْل. وهو قول مالك، وقاله ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، والسدّي، وجابر بن زيد. وذهب أبو حنيفة إلى أنّ من كانت له زوجة واحدة فهي طَوْل فلا يباح له تزوّج الإماء لأنّه طالب شهوة إذْ كانت عنده امرأة تعفّه عن الزنا. ووقع لمالك ما يقرب من هذا في كتاب محمد بن الموّاز، وهو قول ابن حبيب، واستحسنه اللخمي والطبري، وهو تضييق لا يناسب يسر الإسلام على أنّ الحاجة إلى امرأة ثانية قد لا يكون لشهوة بل لحاجة لا تسدّها امرأة واحدة، فتعيّن الرجوع إلى طلب التزوّج، ووجودِ المقدرة. وقال ربيعة، والنخعي، وقتادة، وعطاء، والثوري، الطوْل الصبر والجلَد على نكاح الحرائر. ووقع لمالك في كتاب محمد أنّ الذي يجد مهر حرّة ولا يقدر على نفقتها، لا يجوز له أن يتزوّج أمة، وهذا ليس لكون النفقة من الطوْل ولكن لأنّ وجود المهر طول، والنفقة لا محيص عنها في كليهما، وقال أصبغ يجوز لهذا أن يتزوّج أمة لأنّ نفقة الأمة على أهلها إن لم يضمَّها الزوج إليه، وظاهرٌ أنّ الخلاف في حالٍ. وقوله { أن ينكح } معمول طَوْلا بحذف اللاَّم أو على إذ لا يتعدّى هذا المصدر بنفسه. ومعنى { أن ينكح المحصنات } أي ينكح النساء الحرائر أبكاراً أو ثيّبات، دلّ عليه قوله { فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات }.

السابقالتالي
2 3 4 5