الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

عطف علىوأن تجمعوا } النساء 23 والتقدير وحُرّمت عليكم المحصنات من النساء إلخ... فهذا الصنف من المحرّمات لعارض نظيرَ الجمع بين الأختين. والمحصنات ــــ بفتح الصاد ــــ من أحصنها الرجل إذا حفظها واستقّل بها عن غيره، ويقال امرأة محصنة ــــ بكسر الصاد ــــ أحصنت نفسها عن غير زوجها، ولم يقرأ قوله { والمحصنات } في هذه الآية إلاَّ بالفتح. ويقال أحصَنَ الرجُلُ فهو محصِن ــــ بكسر الصاد ــــ لا غير، ولا يقال محصَن ولذلك لم يقرأ أحد محصَنين غير مسافحين ــــ بفتح الصاد ــــ، وقريء قوله { ومحصنات } ــــ بالفتح والكسر ــــ وقولهفإذا أحصن } النساء 25 ــــ بضم الهمزة وكسر الصاد، وبفتح الهمزة وفتح الصاد ــــ. والمراد هنا المعنى الأول، أي وحرّمت عليكم ذوات الأزواج ما دُمن في عصمة أزواجهنّ، فالمقصود تحريم اشتراك رجلين فأكثر في عصمة امرأة، وذلك إبطال لنوع من النكاح كان في الجاهلية يسمّى الضِّمَاد، ولنوع آخر ورد ذكره في حديث عائشة أن يشترك الرجال في المرأة وهم دون العشرة، فإذا حملت ووضعت حملها أرسلت إليهم فلا يستطيع أحد منهم أن يمتنع، فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمّي من أحبّت باسمه فيلحق به. ونوع آخر يسمّى نكاح الاستبضاع وهو أن يقول الزوج لامرأته إذا طَهرت من حيضها أرسلي إلى فلان، فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسّها حتّى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبيّن حملها أصابها زوجها. قالت عائشة وإنما يفعل هذا رغبة في نجابة الولد، وأحسب أنّ هذا كان يقع بتراض بين الرجلين، والمقصد لا ينحصر في نجابة الولد، فقد يكون لبذل مال أو صحبة. فدَلّت الآية على تحريم كلّ عقد على نكاح ذات الزوج، أي تحريم أن يكون للمرأة أكثر من زوج واحد. وأفادت الآية تعميم حرمتهنّ ولو كان أزواجهنّ مشركين، ولذلك لزم الاستثناء بقوله { إلا ما ملكت أيمانكم } أي إلاّ اللائي سبَيتُموهنّ في الحرب، لأنّ اليمين في كلام العرب كناية عن اليد حين تمسك السيف. وقد جعل الله السبي هادما للنكاح تقريراً لمعتاد الأمم في الحروب، وتخويفاً أن لا يناصبوا الإسلام لأنّهم لو رفع عنهم السبي لتكالبوا على قتال المسلمين، إذ لا شيء يحذره العربي من الحرب أشدّ من سبي نسوته، ثم من أسره، كما قال النابغة
حِذاراً على أن لا تُنال مقادتي ولاَ نسوتي حتّى يمُتْن حَرائراً   
واتّفق المسلمون على أنّ سبي المرأة دون زوجها يهدم النكاح، ويُحلّها لمن وقعت في قسمته عند قسمة المغانم. واختلفوا في التي تسبَى مع زوجها فالجمهور على أنّ سبيها يهدم نكاحها، وهذا إغضاء من الحكمة التي شرع لأجلها إبقاء حكم الاسترقاق بالأسر.

السابقالتالي
2 3 4 5