الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

عطف على جملةوخذوا حذركم إنّ الله أعدّ للكافرين عذاباً مهيناً } النساء 102 زيادة في تشجيعهم على قتال الأعداء، وفي تهوين الأعداء في قلوب المسلمين، لأنّ المشركين كانوا أكثر عدداً من المسلمين وأتمّ عُدّة، وما كان شرع قصر الصلاة وأحوال صلاة الخوف، إلاّ تحقيقاً لنفي الوهن في الجهاد. والابتغاءُ مصدر ابتغى بمعنى بَغي المتعدّي، أي الطلب، وقد تقدّم عند قولهأفغير دين الله تبغون } في سورة آل عمران 83. والمراد به هنا المُبادأة بالغزوِ، وأن لا يتقاعسوا، حتّى يكون المشركون هم المبتدئين بالغزو. تقول العرب طلبنا بني فلان، أي غزوناهم. والمبادىء بالغزو له رعب في قلوب أعدائه. وزادهم تشجيعاً على طلب العدوّ بأنّ تَألّم الفريقين المتحاربين واحد، إذ كلٌ يخشى بأس الآخر، وبأنّ للمؤمنين مزية على الكافرين، وهي أنّهم يرجون من الله ما لا يرجوه الكفّار، وذلك رجاء الشهادة إن قتلوا، ورجاء ظهور دينه على أيديهم إذا انتصروا، ورجاء الثواب في الأحوال كلّها. وقوله { من الله } متعلّق بــــ { ترجون }. وحذف العائد المجرور بمن من جملة { ما لا يرجون } لدلالة حرف الجرّ الذي جُرّ به اسم الموصول عليه، ولك أن تجعل مَا صْدق { ما لا يرجون } هو النصر، فيكون وعداً للمسلمين بأنّ الله ناصرهم، وبشارة بأنّ المشركين لا يرجون لأنفسهم نصراً، وأنّهم آيسون منه بما قذف الله في قلوبهم من الرعب، وهذا ممّا يفتّ في ساعدهم. وعلى هذا الوجه يكون قوله { من الله } اعتراضاً أو حالاً مقدّمة على المجرور بالحرف، والمعنى على هذا كقولهذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } محمد 11.