الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } * { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ }

الانطلاق حقيقته الانصراف والمشي، ويستعمل استعمال أفعال الشروع لأن الشارع ينطلق إليه، ونظيره في ذلك ذَهب بفعل كذا، كما في قول النبهاني
فإن كنتَ سيِّدنَا سدْتَنا وإن كنت للخال فاذْهب فَخلْ   
وكذلك قام في قوله تعالىإذ قاموا فقالوا } في سورة الكهف 14.وقيل إن الانطلاق هنا على حقيقته، أي وانصرف الملأ منهم عن مجلس أبي طالب. و { الملأ } سادة القوم قال ابن عطية قائل ذلك عقبة بن أبي معيط. وقال غير ابن عطية إن من القائلين أبا جهل، والعاصي بن وائل، والأسود بن عبد يغوث.و { أن } تفسيرية لأن الانطلاق إن كان مجازاً فهو في الشروع فقد أريد به الشروع في الكلام فكان فيه معنى القول دون حروفه فاحتاج إلى تفسيرٍ بكلام مقول، وإن كان الانطلاقُ على حقيقته فقد تضمن انطلاقهم عقب التقاول بينهم بكلامهم الباطلهٰذَا ساحِرٌ } ص4 إلى قولهعُجَابٌ } ص5 يقتضي أنهم انطلقوا متحاورين في ماذا يصنعون. ولما أسند الانطلاق إلى الملأ منهم على أنهم ما كانوا لينطلقوا إلا لتدبير في ماذا يصنعون فكان ذلك مقتضياً تحاوراً وتقاولاً احتيج إلى تفسيره بجملة { أن امشوا واصبروا على ءَالهتِكُم } الخ. والأمر بالمشي يحتمل أن يكون حقيقة، أي انصرفوا عن هذا المكان مكان المجادلة، واشتغلوا بالثبات على آلهتكم. ويجوز أن يكون مجازاً في الاستمرار على دينهم كما يقال كما سار الكرام، أي اعمل كما عملوا، ومنه سميت الأخلاق والأعمال المعتادة سيرة.والصبر الثبات والملازمة، يقال صبر الدابة إذا ربطها، ومنه سمي الثبات عند حلول الضُرّ صبراً لأنه ملازمة للحلم والأناة بحيث لا يضطرب بالجزع، ونظير هذه الآية قوله تعالىإن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } الفرقان 42.وحرف { على } يدلّ على تضمين { اصبروا } معنى اعكفوا وأثبتوا، فحرف { على } هنا للاستعلاء المجازي وهو التمكن مثلأولئك على هدى من ربهم } البقرة 5. وليس هو حرف { على } المتعارف تعدية فعل الصبر به في نحو قولهاصبر على ما يقولون } المزمل 10 فإن ذلك بمعنى مع، ولذلك يخلفه اللام في مثل ذلك الموقع نحو قوله تعالىفاصبر لحكم ربك } القلم 48، ولا بدّ هنا من تقدير مضاف، أي على عبادة آلهتكم، فلا يتعدى إلى مفعول إن كان مجازاً فهو في الشروع فقد أريد به الشروع في الكلام فكان.وجملة { إن هٰذَا لشيءٌ يُرادُ } تعليل للأمر بالصبر على آلهتهم لقصد تقوية شكهم في صحة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها شيء أرادهُ لغرض أي ليس صادقاً ولكنه مصنوع مراد منه مقصد كما يقال هذا أمر دُبِّر بليل، فالإِشارة بــــ { هٰذَا } إلى ما كانوا يسمعونه في المجلس من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم أن يقولوا لا إلٰه إلا الله.وقوله { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة } من كلام المَلأ.

السابقالتالي
2