الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } * { أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } * { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

إعادة الأمر بالقَول هنا مستأنَفاً. والعدولُ عن الإِتيان بحرف يعطف المقول أعني { هُوَ نَبؤٌا عَظِيمٌ } على المقول السابق أعنيأنا مُنذِرٌ } ص 65، عدول يشعر بالاهتمام بالمقول هنا كي لا يؤتى به تابعاً لمقولٍ آخر فيضعف تصدي السامعين لوعيه.وجملة { قُلْ هو نبؤا عظيمٌ أنتُم عنه مُعرضونَ } يجوز أن تكون في موقع الاستئناف الابتدائي انتقالاً من غرض وصف أحوال أهل المحشر إلى غرض قصة خلق آدم وشقاء الشيطان، فيكون ضمير { هُوَ } ضميرَ شأن يفسره ما بعده وما يُبيّن به ما بعده من قولهإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين } ص 71 جعل هذا كالمقدمة للقصة تشويقاً لتلقّيها فيكون المراد بالنبأ نبأَ خَلق آدم وما جرى بعده، ويكون ضمير { يَخْتصِمُونَ } عائداً إلى الملأ الأعلى لأن الملأ جماعة. ويراد بالاختصام الاختلاف الذي جرى بين الشيطان وبين من بلَّغ إليه من الملائكة أمرَ الله بالسجود لآدم، فالملائكة هم الملأ الأعلى وكان الشيطان بينهم فعُدّ منهم قبل أن يطرد من السماء.ويجوز أن تكون جملة { قُلْ هو نبؤا عظيمٌ } الخ تذييلاً للذي سبق من قولهوإنَّ للمتَّقينَ لحُسنَ مآبٍ } ص 49 إلى هنا، تذييلاً يشعر بالتنويه به وبطلب الإِقبال على التدبر فيه والاعتبار به. وعليه يكون ضمير { هُوَ } ضميراً عائداً إلى الكلام السابق على تأويله بالمذكور فلذلك أُتِي لتعريفه بضمير المفرد.والمراد بالنبأ خبر الحشر وما أُعد فيه للمتقين من حسن مآب، وللطاغين من شر مآب، ومن سوء صحبة بعضهم لبعض، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب، وترددهم في سبب أن لم يجدوا معهم المؤمنين الذين كانوا يَعدّونهم من الأشرار. ووصف النبأ بــــ { عَظِيمٌ } تهويل على نحو قوله تعالىعمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون } النبأ 1ـــ3. وعظمة هذا النبأ بين الأنباء من نوعه من أنباء الشر مثل قولهفساد كبير } الأنفال 73، فتم الكلام عند قوله تعالى { أنتم عنه معرضون }.فتكون جملة { ما كانَ لي مِن علم بالملأ الأعلى } إلى قوله { نَذِيرٌ مبينٌ } استئنافاً للاستدلال على صدق النبأ بأنه وحي من الله ولولا أنه وحي لما كان للرسول صلى الله عليه وسلم قِبَل بمعرفة هذه الأحوال على حد قوله تعالىوما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } آل عمران 44، ونظائر هذا الاستدلال كثيرة في القرآن.وتكون جملةإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً } ص 71 إلى آخره استئنافاً ابتدائياً.وعلى هذا فضمير { يختصمون } عائد إلى أهل النار من قولهتخاصُمُ أهلِ النارِ } ص 64 إذ لا تخاصم بين أهل الملأ الأعلى. والمعنى ما كان لي من علم بعالَم الغيب وما يجري فيه من الإِخبار بما سيكون إذ يَختصم أهل النار في النار يوم القيامة.

السابقالتالي
2 3