الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } * { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ }

اسم الإِشارة هنا جار على غالب مواقعه وهو نظير قولههذا ما توعدون ليوم الحساب } ص 53 والقول فيه مثله. وإشارة القريب لتقريب الإِنذار والمشار إليه ما تضمنه قولهجهنَّم يصلونها } ص 56 من الصلي ومن معنى العذاب، أو الإِشارة إلى شرّ من قولهلَشَرَّ مآبٍ } ص 55.و { حميم } خبر عن اسم الإِشارة. ومعنى الجملة في معنى بدل الاشتمال لأن شر المآب أو العذاب مشتمل على الحميم والغساق وغيرِه من شكله، والمعنى أن ذلك لهم لقولهوإنّ للطاغِينَ لشرَّ مَآبٍ } ص 55 فما فُصل به شر المآب وعذاب جهنم فهو في المعنى معمول للام. والحميم الماء الشديد الحرارة.والغَساق قرأه الجمهور بتخفيف السين. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بتشديدها. قيل هما لغتان وقيل غَسَّاق بالتشديد مبالغة في غَاسق بمعنى سائل، فهو على هذا وصف لموصوف محذوف وليس اسماً لأن الأسماء التي على زنة فَعَّال قليلة في كلامهم.والغساق سائل يسيل في جهنم، يقال غَسَق الجُرح، إذا سال منه ماء أصفر. وأحسب أن هذا الاسم بهذا الوزن أطلقه القرآن على سائل كريه يُسْقَوْنه كقولهبماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب } الكهف 29. وأحسب أنه لم تكن هذه الزنة من هذه المادة معروفة عند العرب، وبذلك يومىء كلام الراغب. وهذا سبب اختلاف المفسرين في المراد منه. والأظهر أنه صيغ له هذا الوزن ليكون اسماً لشيء يشبه ما يغسِقَ به الجرح، ولذلك سمّي بالمهل والصديد في آيات أخرى.وجملة { فَلْيَذُوقُوهُ } معترضة بين اسم الإِشارة والخبر عنه، وهذا من الاعتراض المقترن بالفاء دون الواو، والفاء فيه كالفاء في قولهفبئس المِهادُ } ص 56 وقد تقدمت آنفاً.وموقع الجملة كموقع قولهفامنن أو أمسك } ص 39 كما تقدم آنفاً.وقوله { وءَاخَرُ } صفة لموصوف محذوف دلت عليه الإِشارة بقوله { هذا } وضمير { فليذوقوه } وصفُ آخر يدل على مغاير. وقوله { مِن شَكلِهِ } يدل على أنه مغاير له بالذات وموافق في النوع، فحصل من ذلك أنه عذاب آخر أو مذوق آخر.والشَّكل بفتح الشين المثل، أي المماثل في النوع، أي وعذاب آخر غير ذلك الذي ذاقوه من الحميم والغساق هو مثل ذلك المشار إليه أو مثل ذلك الذوق في التعذيب والألم. وأفرد ضمير { شَكلهِ } مع أن معاده { حَميمٌ وغسَّاقٌ } نظراً إلى إفراد اسم الإِشارة، أو إلى إفراد مذوق المأخوذ من يذوقوه، فقوله { مِن شكلهِ } صفة لــــ { آخر }.والأزواج جمع زوج بمعنى النوع والجنس، وقد تقدم عند قولهومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } في سورة الرعد 3.والمعنى وعذاب آخر هو أزواج أصناف كثيرة. ولما كان اسماً شائعاً في كل مغاير صحّ وصفه بــــ { أزْوٰجٌ } بصيغة الجمع.وقرأ الجمهور { وءَاخَرُ } بصيغة الإِفراد. وقرأه أبو عمرو ويعقوب { وأُخَر } بضم الهمزة جمع أخرى على اعتبار تأنيث الموصوف، أي وأزواج أخر من شكل ذلك العذاب.